للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المعتق معسرًا فالشريك بالخيار إن شاء أعتق، وإن شاء استسعى (١)

العبد (٢).

قال - صلى الله عليه وسلم -: «من أعتق شِركًا له في عبد، فكان له مال يبلغ ثمن العبد، قُوِّم عليه العبد قيمة عدل، فأعطى شركاءَه حصصهم، وعَتُق عليه العبد، وإلا فقد عتق منه ما عتق»،


(١) لما رواه مسلم في صحيحه مرفوعًا: «من أعتق شقصًا له في عبد، فخلاصه في ماله إن كان له مال، فإن لم يكن له مال، استسعي العبد غير مشقوق عليه»، ومعنى الاستسعاء في هذا الحديث: أن العبد يكلف الاكتساب والطلب حتى تحصل قيمة نصيب الشريك الآخر، فإذا دفعها إليه عتق. هكذا فسره جمهور القائلين بالاستسعاء. وقال بعضهم: هو أن يخدم سيده الذي لم يعتِق بقدر مالَه فيه من الرق.
وسبب عدم أخذ الجمهور بالاستسعاء، لكونه معلولًا عندهم، وقالوا: لأن الاستسعاء إعتاق بعوض، فلم يجبر عليه، كالكتابة، ولأن في الاستسعاء إضرارًا بالشريك والعبد؛ أما الشريك فإنا نحيله على سعاية لعله لا يحصل منها شيء أصلًا، وإن حصل فربما يكون يسيرًا متفرقًا، ويفوت عليه ملكه، وأما العبد فإنا نجبره على سعاية لم يردها، وكسب لم يختره، وهذا ضرر في حقهما، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا ضرر ولا ضرار».
قال القاضي عياض: في ذكر الاستسعاء هاهنا خلافٌ. قال أبو الحسن الدارقطني: "روى هذا الحديث شعبة وهشام عن قتادة - وهما أثبت - فلم يذكرا فيه الاستسعاءَ، ووافقهما همامٌ وَفَصَل الاستسعاء من الحديث، فجعله مِن رأي قتادة، وعلى هذا أخرجه البخاري، وهو الصواب، وسمعت أبا بكر النيسابوري يقول: ما أحسن ما رواه همام وضبطه، ففصل قول قتادة عن الحديث".

قال القاضي: "وقال الأصيلي وابن القصار وغيرهما: من أسقط السِّعاية أولى ممن ذكرها؛ لأنها ليست في الأحاديث الأخرى من رواية ابن عمر. قال أبو عمر ابن عبد البر: الذين لم يذكروا السعاية أثبت ممن ذكرها. قال غيره: وقد اختلف فيه عن سعيد بن أبى عروبة عن قتادة، فمرَّةً ذكر فيه السِّعَاية ومَرَّةً لم يذكرها، فدل أنها ليست عنده من متن الحديث كما قال غيره.
ومعنى الاستسعاء في هذا الحديث: تكليفه الاكتساب والطلب لقيمة شقص الآخر على قول الأكثرين، وقيل: يخدم سيده بقدر ماله من الرق، فعلى هذا تتفق الأحاديث".
انظر: سنن الدارقطني (٥/ ٢٢٣)، علل الدارقطني (١٠/ ٣١٤ - ٣١٨)، الاستذكار (٧/ ٣١٣)، إكمال المعلم بفوائد مسلم (٥/ ٩٧ - ٩٨)، شرح النووي على مسلم (١٠/ ١٣٦)، المغني (١٠/ ٣٠٤).
(٢) انظر: مختصر القدوري (ص: ١٧٥ - ١٧٦)، بداية المبتدي (ص: ٩٢)، التاج والإكليل (٨/ ٤٦٥)، شرح الخرشي على مختصر خليل (٨/ ١٢٣)، روضة الطالبين (١٢/ ١١٠)، مغني المحتاج (٦/ ٤٥٢)، الإنصاف (٧/ ٤٠٩)، كشاف القناع (٤/ ٥١٦).
والمراد بغير المعسر: أن يكون موسرًا بقيمة حصة شريكه، فاضلًا ذلك عن قوته وقوت من تلزمه نفقته في يومه وليلته، ودست ثوب يلبسه، وسكنى يوم. والدست: مجموعة من الثياب، وقال ابن الرفعة: الدست: عبارة عن قميص وعمامة مقنعة ونحوها.
وقيل: الدستة: حزمة ونحوها تجمع اثني عشر فردًا من كل نوع.
انظر: المطلب العالي-تحقيق إبراهيم جار الخير هتو (ص: ٣٨٠)، مغني المحتاج (٦/ ٤٥٢)، المعجم الوسيط (١/ ٢٨٣).

<<  <   >  >>