للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأعتق اثنين، وأرَقّ أربعة، وقال له قولًا شديدًا» (١).

وهذا نص في محل النزاع، وحجة في الأمرين المختلف فيهما؛ وهما: جمع الحرية واستعمال القرعة (٢).

مناقشة الحديث:

١. عمدة الحنفية في ردّ مثل هذه الأحاديث ما جرت به عادتهم من رد الآثار التي تأتي بطرق الآحاد إذا خالفتها الأصول الثابتة بالتواتر (٣).

وأجيبوا (٤):

أولًا: بمنع ذلك، بل هو موافق للقياس، وقياسهم فاسد؛ لأنه إذا كان ملكه ثلثهم وحده، لم يمكن جمع نصيبه، والوصية لا ضرر في تفريقها، بخلاف مسألتنا.

ثانيًا: إن سلمنا مخالفته قياس الأصول، فقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واجب الاتباع، سواء وافق القياس أو خالفه؛ لأنه قول المعصوم، الذي جعل الله تعالى قوله حجة على الخلق أجمعين، وأمرنا باتباعه وطاعته، وحذر العقاب في مخالفة أمره، وجعل الفوز في طاعته، والضلال في معصيته، وتطرق الخطأ إلى القائس في قياسه أغلب من تطرق الخطأ إلى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأئمة بعدهم في روايتهم.

ثالثًا: أن الحنفية قد خالفوا قياس الأصول بأحاديث ضعيفة، فأوجبوا الوضوء بالنبيذ في السفر دون الحضر، ونقضوا الوضوء بالقهقهة في الصلاة دون خارجها؛ وقولهم في مسألتنا في مخالفة القياس والأصول، أشد وأعظم، والضرر في مذهبهم أعظم؛ وذلك لأن الإجماع منعقد على أن صاحب الثلث في الوصية وما في معناها، لا يحصل له شيء حتى يحصل للورثة مثلاه، وفي مسألتنا يعتقون الثلث، ويستسعون العبد في الثلثين، فلا يحصل للورثة شيء في الحال أصلًا، ويحيلونهم على السعاية، وربما لا يحصل منها شيء أصلًا،


(١) رواه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان: باب من أعتق شركا له في عبد (١٤٦٢).
(٢) انظر: المغني لابن قدامة (١٠/ ٣١٨).
(٣) انظر: شرح مختصر الطحاوي للجصاص (١/ ٢١١ - ٢١٢)، بداية المجتهد (٤/ ١٥٥)، المغني (١٠/ ٣١٨).
(٤) انظر: المغني (١٠/ ٣١٩ - ٣٢٠).

<<  <   >  >>