للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وربما لا يحصل منها في الشهر إلا درهم أو درهمان، فيكون هذا في حكم من لم يحصل له شيء، وفيه ضرر على العبيد؛ لأنهم يجبرونهم على الكسب والسعاية، عن غير اختيار منهم، وربما كان المجبر على ذلك جارية، فيحملها ذلك على البغاء، أو عبدًا، فيسرق أو يقطع الطريق، وفيه ضرر على الميت، حيث أفضوا بوصيته إلى الظلم والإضرار، وتحقيق ما يوجب له العقاب من ربه، والدعاء عليه من عبيده وورثته.

قال ابن عبد البر: "في قول الكوفيين ضروب من الخطأ والاضطراب، مع مخالفة السنة الثابتة. وأشار إلى ما ذكرناه" (١).

٢. وقال بعض الحنفية: هذا الحديث غير صحيح؛ لأن فيه أن الرجل كان له ستة أعبد قيمتهم سواء، ولم يكن له معهم شيء آخر، وهذا من أندر ما يكون.

ولو ثبت فيحتمل أن الرجل أوصى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعتقهم، وفي الحديث دليل عليه؛ لأنه قال: فأعتق اثنين منهم، وكان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعتق أي الاثنين شاء منهم، فأقرع تطييبًا لقلوبهم، وذكر الجصاص (٢):

أن معنى قوله: "فأعتق اثنين"، أي: قدر اثنين منهم، وبه نقول، فإنا إذا أعتقنا من كل واحد منهم ثلثه، فقد أعتقنا قدر اثنين منهم، ومعنى قوله فأقرع، أي: دقق النظر، يقال: فلان قَرِيعُ دَهْرِهِ، أي: دقيق النظر في الأمور، ودقَّقَ الحساب؛ بأن جعل قدر الرقبتين بينهم أسداسًا، هذا تأويل الحديث إن صح" (٣).

٣. قالوا: وعلى فرض قبول الحديث نوقش الحديث من أوجه:

أ- أن هذا الخبر مقبول عندنا، محمول على معنى لا يخالف الأصول؛ فقد جاء في رواية "أن رجلًا في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعتق أعبدًا له ستة عند موته، لم يكن له مال غيرهم،


(١) انظر: المغني (١٠/ ٣١٩ - ٣٢٠).
(٢) هو أحمد بن علي، أبو بكر الرازي المعروف بالجصاص من أهل الري. من فقهاء الحنفية. سكن بغداد ودرس بها. انتهت إليه رئاسة الحنفية في وقته. من تصانيفه: (أحكام القرآن)؛ و (شرح مختصر شيخه أبي الحسن الكرخي)؛ و (شرح محتصر الطحاوي)، توفي سنة ٣٧٠ هـ.

انظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (١/ ٨٤)؛ الأعلام للزركلي (١/ ١٧١).
(٣) المبسوط للسرخسي (٧/ ٧٤ - ٧٥).

<<  <   >  >>