للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الترجيح:

بعد بحث المسألة تتضح أمور، منها:

١. "لا شك في ثبوت بيع أمهات الأولاد في عهده - صلى الله عليه وسلم - لهذه الأحاديث، وإنما الشك في استمرار ذلك، وعدم نهيه - صلى الله عليه وسلم - عنه" (١).

٢. والراجح-والله أعلم- أن عمر رضي الله عنه هو أول من نهى وسن تحريم بيع أمهات الأولاد، وأما قول سعيد بن المسيب: «إن الناس يقولون: إن أول من أمر بعتق أمهات الأولاد عمر رضي الله عنه، وليس كذلك، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أول من أعتقهن، ولا يجعلن في ثلث، ولا يبعن في دين» (٢). فلا يصح سنده (٣).

ومما يدل على أولوية عمر رضي الله عنه في ذلك عن ابن عمر، قال: لقيه نفر، فقال: من أين أقبلتم؟ قالوا: من العراق (وفي رواية من مكة)، قال: فمن لقيتم؟ قالوا: ابن الزبير قالوا: فأحل لنا أشياء كانت تحرم علينا، قال: ما أحل لكم مما حرم عليكم؟ قالوا: بيع أمهات الأولاد، قال: تعرفون أبا حفص عمر نهى أن تباع، أو توهب، أو تورث، وقال: «يستمتع منها صاحبها ما كان حيًا، فإذا مات فهي حرة» (٤).

فهذه قرينة على أن عمر رضي الله عنه هو أول من نهى عن بيع أمهات الأولاد؛ إذ لو كان النهي مرفوعًا لاستدل به ابن عمر رضي الله عنه، وهو من أقرب الناس لأبيه (٥).


(١) سلسلة الأحاديث الصحيحة (٥/ ٥٤٢).
(٢) رواه عبد الرزاق في مصنفه (٧/ ٢٩٣)، والبيهقي في السنن الكبرى (١٠/ ٥٧٧).
(٣) قال البيهقي: "وأما الذي روي عن ابن المسيب: أن عمر، أعتق أمهات الأولاد، وقال:
أعتقهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فإنه ينفرد به عبد الرحمن بن زيادة الإفريقي، عن مسلم بن يسار، عن ابن المسيب، والإفريقي غير محتج به" معرفة السنن والآثار (١٤/ ٤٦٨).
(٤) رواه عبد الرزاق في مصنفه (٧/ ٢٩٢)، وابن أبي شيبة في المصنف (٤/ ٤١٠)، وسعيد بن منصور في سننه (٢/ ٨٨)، تاريخ المدينة لابن شبة (٢/ ٧٢٧)، والبيهقي في السنن الكبرى (١٠/ ٥٧٤).
(٥) وفي السلسلة الصحيحة (٥/ ٥٤٣): "وأقول: الذي يظهر لي أن نهي عمر إنما كان عن اجتهاد منه،
وليس عن نهي ورده عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذلك لتصريح علي - رضي الله عنه - بأنه كان عن رأي من عمر ومنه، فروى عبد الرزاق (١٣٢٢٤) بسنده الصحيح عن عبيدة السلماني .... ويؤيد ما ذكرته أن عمر لو كان ذلك عن نص لديه لما رجع عنه علي - رضي الله عنه -. وهذا ظاهر بين. وهذا بالطبع لا ينفي أن يكون هناك نهي صدر من النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما بعد، وإن لم يقف عليه عمر، بل هذا هو الظاهر من مجموع الأحاديث الواردة في الباب، فإنها وإن كانت مفرداتها لا تخلو من ضعف، فمجموعها مما يقوي النهي"

<<  <   >  >>