للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عصره ومرجع من بعده الإمام السرخسي رحمه الله (١)، والذي لقبه الحنفية بشمس الْأَئِمَّة (٢)؛ إذ قال: " «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل». ولكنا نقول: ذكر العدالة في هذا الحديث، والشهادة مطلقة فيما روينا فنحن نعمل بالمطلق والمقيد جميعًا مع أنه نُكِّر ذكر العدالة في موضع الإثبات فيقتضي عدالة ما، وذلك من حيث الاعتقاد، وفي الحقيقة المسألة تنبني على أن الفاسق من أهل الشهادة عندنا، وإنما لا تقبل شهادته؛ لتمكن تهمة الكذب، وفي الحضور والسماع لا تتمكن هذه التهمة فكان بمنزلة العدل، وعند الشافعي رحمه الله الفاسق ليس من أهل الشهادة أصلًا؛ لنقصان حاله بسبب الفسق، وهو ينبني أيضًا على أصل أن الفسق لا ينقص من إيمانه عندنا، فإن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، والأعمال من شرائع الإيمان لا من نفسه، وعنده الشرائع من نفس الإيمان، ويزداد الإيمان بالطاعة، وينتقص بالمعصية فجعل نقصان الدين بسبب الفسق» (٣).

٣. الراجح: (فيما إذا اختلف الزوجان بعد عقد النكاح، فقال الزوج بعلمه بفسق شاهدي النكاح حالة العقد، وأنكرت المرأة) أنه يُفرَّق بينهما بقوله ويرتفع النكاح، ولا


= وقد ورد في بعض الروايات عن الإمام أبي حنيفة - رحمه الله - ما يشعر أنه رجع عن قوله هذا وتركَه تسليمًا منه بما جاء في النصوص الصريحة المخالفة لقوله.
فقد روى الإمام ابن عبد البر بسنده أن حماد بن زيد ناظر أبا حنيفة في الإيمان، وذكر له حديث "أي الإسلام أفضل، وفيه ذكر أن الجهاد والهجرة من الإيمان" فسكت أبو حنيفة، فقال بعض أصحابه: ألا تجيبه يا أبا حنيفة؟ قال: لا - أو بم - أجيبه وهو يحدثني عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟
انظر: التمهيد (٩/ ٢٤٧)، زيادة الإيمان ونقصانه وحكم الاستثناء فيه (ص: ٣١٧ - ٣٣٠)، مسألة الإيمان دراسة تأصيلية (ص: ٣٧ - ٣٨).
(١) هو الإمام الكبير محمد بن أحمد بن أبي سهل أبو بكر السرخسي صاحب المبسوط وغيره، أحد الفحول الأئمة الكبار أصحاب الفنون، كان إمامًا علامة حجة متكلمًا فقيهًا أصوليًا مناظرًا، أملى المبسوط نحو خمسة عشر مجلدًا وهو في السجن بأوزجند محبوس، مات في حدود التسعين وأربع مائة.
الجواهر المضية في طبقات الحنفية (٢/ ٢٨ - ٢٩)، الأعلام للزركلي (٥/ ٣١٥).
(٢) انظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية (٢/ ٢٨).
(٣) المبسوط للسرخسي (٥/ ٣١).

<<  <   >  >>