للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا سر قول الكافرين لأنبيائهم: {قَالُوا سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مّنَ الْوَاعِظِينَ}. [الشعراء: ١٣٦]

ولذلك كان الأنبياء يَدعُون إلى الإيمان قبل الأحكام، -ورأس الإيمان التوحيد- ويمكثون السنين الطوال في هذا .. وقد مكث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قومه ثلاث عشرة سنة، يدعو إلى الإيمان، ويُربِّي أتباعه على زيادته، دون أن يتعرض لمعظم الأحكام، أو ينهى عن معظم المحرمات، وكان بعض أصحابه يمارسون ماعُدّ بعد ذلك من الكبائر، كالخمر، والميسر وما شابه ذلك، ولم ينههم عنها، قبل أن يتوطن الإيمان في قلوبهم.

فلما وقر الإيمان في القلوب، وذلت لبارئها النفوس، أمرهم بالعبادات .. ثم بين لهم أحكام المعاملات .. ونهاهم عن المحرمات.

ولم ينزل تحريم الخمر إلا بعد ثلاث سنوات خَلَوْنَ من هجرته -عليه الصلاة والسلام- إلى المدينة.

ولما نزل تحريمه، سارع المسلمون إلى الاستجابة، لِمَا سبق فيهم من الإيمان.

فعن أنس قال: كان لنا خمر غير فَضِيخِكُم هذا الذي تسمونه الفَضِيخ (١)، فإني لقائم أسقي أبا طلحة وفلاناً وفلاناً إذ جاء رجل فقال: وهل بلغكم الخبر؟ فقالوا: وماذاك؟ قال: حرمت الخمر، قالوا: أهرق هذه القلاس يا أنس، قال: فما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل. (٢)


(١) الفضيخ: شراب يتخد من البسر (التمر قبل أن يصبح رطباً ويسمى بلحاً) وحده من غير أن تمسه النار. انظر لسان العرب (٣/ ٤٥)، مادة: (فضخ)، وكانوا يصنعون منه الخمر.
(٢) رواه البخاري (٤٦١٧)، ومسلم (١٩٨٠).

<<  <   >  >>