(٢) حُذِّر داعية صحيح العقيدة من إلقاء محاضرة، وبخاصة في العقيدة في أحد المساجد، بدعوى: أن روّاد المسجد من أصحاب الشركيات والضلالات وسوء الأخلاق، وقد يؤذون الداعية أذى شديداً، كما فعلوا أكثر من مرة مع غيره، مع ما يحصل من فتنة في المسجد، وأصرّ الداعية على إلقاء المحاضرة، وعن التوحيد، ودخل معه نفر لحمايته من الأذى، ولكن شيئاً من ذلك لم يحصل، بل خرج معظم الحضور مقتنعين بأنهم كانوا على خطأ، في أفعالهم الشركية، وأجلّوا الداعية أيما إجلال، وأسكتوا بعض شيوخهم من الرد على الداعية. والسر في ذلك: أن الداعية بدأ معهم بالتأصيل، فشرح لهم معنى الألوهية، ومعنى العبادة، وبين لهم بالأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة، وأقوال الأئمة الذين يحبونهم، بوجوب صرف العبادة لله، وأن صرفها لغيره لا يليق بالموحد، وربما أغضب الله. وأسهب في بيان صفات الله من السمع، والبصر، والعلم، والقدرة، وأن أحداً من المخلوقين مهما كان لا يوازي سمعه سمع الله، ولاعلمه علم الله، وبين هذا بأسلوب مشوق، وكلمات معبرة، دون أن يحكم على الناس، ودون أن يلقي الحكم على التمثيل قبل التأصيل، بل أصل .. ، وضرب لهم أمثلة عند قوم آخرين.
وبعد هذا التمهيد حكم على التمثيل، فصرّح لهم بحُرمة صرف أي عبادة لغير الله، فلمّا قام أحد شيوخهم للرد عليه، قام الحضور في وجهه، وأسكتوه، ولما خرج المحاضر تبعه بعضهم، فكشف عن عضده وعليه تميمة، وقال: كأني فهمت من محاضرتك، أن هذا شرك، فقال المحاضر: هل أنت معلق قلبك بها أم بالله؟ قال: بالله، قال: فما تنفعك؟ ! وفهمك صحيح أنها من الشرك، فو الله مازاد الرجل على أن نزعها قائلاً: لقد خدعونا سنين، فانظر أثر التأصيل في فهم الناس، ونجاح الدعوة عند من سلك هذا المسلك.