للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المنافقينَ لَهُ واليهودِ والزائغينَ. وكيفَ يُصيبُ تأويلَ متشابِهِهِ من جعلَهُ اللهُ عليه عَمًى يقول الله جل وعزَّ: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيهِمْ عَمًى} (١).

° ثم قلتَ: ولو كان تأويلُ المتشابِهِ موجودًا لما كان متشابهًا عندَهُمْ، وهم به عالِمونَ، وبتأويلِهِ عارفونَ؟ .

• الجواب عن ذلك: لأنه قد يجوز أن يكون متشابهًا عندَ العوامّ، وعندَ من لا يَعْلَمُ، ويكونَ معروفًا عندَ أهلِ العلمِ كما أنّا نقول: هذا خَفِيٌّ من العلم، ونحنُ لا نريدُ أنَّهُ يَخْفَى على جميعِ الناس، وإنما نريد أنّه يخفى على بعضِهِمْ. والمتشابِهُ هو الذي أشبه غيرَهُ. فالجَهَلَةُ به تَظُنُّ أن هذا ذاك، وذاك هذا. قال الله جل وعز في وصفِ ثمرِ الجنّةِ: {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} (٢) أي مُتَّفِقَ المناظِرِ مُخْتَلِفَ الطُّعُوم، فإذا رأوهُ قبلَ الذواقِ قالوا هذا الذي رُزِقْنا من قبلُ (٣).

° ثم قلتَ: ولما استحق الذمَّ من ابتغى تأويلَهُ. واسمُ المتشابهِ واقعٌ عليه عُمومًا فهو متشابهٌ عندَ الجميعِ حتى يَدُلَّ كتابٌ على أنه متشابهٌ عندَ قَوْمٍ دونَ آخرينَ، أو يُثْبِتُ ذلك خبَرٌ، وأَنَّى بوجودِ ذلكَ؟ ! والسنَّةُ ثابتةٌ في الزجرِ عن الخوضِ في المتشابِه، والأمْرِ بالإيمانِ بِجُمْلَتِهِ؟ .

• الجواب: والمستحقُّ للذَّمِّ ممن ابتغى تأويلَهُ هم الذين في قلوبِهِمْ زَيغٌ عن الإسْلام، هذا على ظاهرِ الكتاب حتى تأتيَ أنتَ بآيةٍ، أو خَبَرٍ صَحيحٍ عن الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - أنّ كلَّ من ابتغى تأويلَ المتشابِهِ مذمومٌ، فيكونَ المُفَسِّرُونَ للقرآنِ جميعًا مذمومينَ عاصينَ للهِ بإِقْدامِهِمْ على تَفْسيرِ كلِّ القرآن، وتركِهِمْ التَّوَقُّفَ عن


(١) سورة فصلت الآية ٤٤.
(٢) الآية ٢٥ من سورة البقرة.
(٣) انظر القرطبي ١/ ٢٤٠.

<<  <   >  >>