للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي أيديهم العصي فيجلسون في تلك المحاريب، ثم يرفع داود صوته بالبكاء والنوح (١) على نفسه، ويرفع الرهبان معه أصواتهم فلا يزال يبكي حتى تغرق الفرش من دموعه، ويقع داود (٢) فيها مثل الفرخ يضطرب، فيجيء ابنه سليمان، فيحمله فيأخذ داود من تلك الدموع بكفيه، ثم يمسح بها وجهه ويقول: يا رب اغفر ما [٢٧/ أ] ترى فلو عدل بكاء داود ببكاء أهل الدنيا لعدله.

قال وهب: ما رفع داود رأسه حتى قال له الملك: أول أمرك (٣) ذنب وآخره معصية ارفع رأسك، فرفع رأسه، فمكث حياته لا يشرب ماء إلا مزجه (٤) بدموعه، ولا يأكل طعاما إلا بله بدموعه.

وذكر الأوزاعي (٥) مرفوعا إلى الرسول، ، قال: «إن مثل عيني داود كالقربتين ينطفان (٦) ماء ولقد خدّت الدموع في وجهه كخديد الماء في الأرض» (٧).

قال وهب: لما تاب الله على داود قال: يا رب غفرت لي فكيف لي أن لا أنسى خطيئتي فاستغفر منها وللخاطئين إلى يوم القيامة قال: فوسم الله خطيئته في يده اليمنى، فما رفع طعاما ولا شرابا إلا بكى إذا رآها، وما قلم خطيبا في الناس إلا بسط راحتيه، فاستقبل (٨) الناس ليروا وسم خطيئته، واستغفر للخاطئين قبل نفسه.

وعن الحسن: كان داود بعد الخطيئة لا يجالس إلا الخاطئين يقول: تعالوا إلى داود الخاطئ ولا يشرب شرابا إلا مزجه بدموع عينيه، وكان يجعل خبز الشعير اليابس في قصعته (٩)، فلا يزال يبكي حتى تبتل من عينيه، وكان يذر عليه الملح والرماد فيأكل (١٠) ويقول: هذا أكل الخاطئين، وكان داود قبل الخطيئة يقوم نصف


(١) النوح أ ب ج هـ: النواح د.
(٢) ويقع داود فيها … الدموع أ ب ج د: - هـ.
(٣) أول أمرك أ ج د هـ: فأول أمرك ب.
(٤) مزجه أ ب ج هـ: ممزوجا د.
(٥) الأوزاعي: عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، من أوعية العلم، كثير الحديث والعلم والفقه، توفي عام ١٥٧ هـ/ ٧٧٣ م؛ ينظر: ابن خلكان ٢/ ٣١٠؛ الذهبي، تذكرة ١/ ١٧٨؛ ابن العماد ٢/ ٢٤١؛ الجابي ٤٠٢.
(٦) ينطفان أ ب ج د: لينطفان هـ.
(٧) ينظر: الثعلبي ١٥٩.
(٨) فاستقبل أ ب د: فاستقبله د هـ.
(٩) قصعته أ ب د: قصعة ج هـ من عينيه أ د هت: بدموع عينيه ب ج.
(١٠) فيأكل أ ب د: ويأكله ج هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>