للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واشتد حزن المسلمين، وأشار الناس بإبعاد الشواني، فسيرت إلى بيروت، وركبت العسكر في الساحل يباريها وهي بحذائه في البحر، فظهر عليها شواني الفرنج، فخرج المسلمون إلى البر على وجوههم وتواقعوا إلى الماء خوفا على أنفسهم، وكانوا لا معرفة لهم بالقتال، وكان في جملة الشواني قطعة رئيسها له خبرة بالأمور، فأسرع وفات الفرنج فلم يدركوه فنجا بالمركب ومن فيه، وبقيت المراكب الباقية خالية ممن كان فيها فدفعها المسلمون إلى البر، هذا والقتال مشتد بين الفريقين.

ولما عبر الفرنج على تلك المراكب ظنوا عجز المسلمين وخرجوا للقتال في جمع كبير واشتد الأمر وارتفعت الأصوات ووقع المسلمون في الكفار فولوا مدبرين وعادوا إلى البلد، وأسر منهم مقدمان، وأسر قمص عظيم عندهم.

وكان الملك الظاهر غازي لم يحضر شيئا مما تقدم من الوقعات، فبادر وضرب عنقه، وكان القومص يشبه المركيس فظنوا أنه هو فلما رأى المسلمون هذا الحال وأن السلطان مصمم على ما هو فيه وله قدرة وثبات على القتال، اجتمع بعض الأمراء وشرعوا في تدبير أمر يعرض على السلطان يتضمن أن هذا الأمر عسر والأولى تركه والرحيل عن هذا المكان، فاطلع السلطان على ما هم فيه (١) فتلطف بهم ووعظهم وقال: كيف نخلي هذا المكان ونذهب؟ وإذا سئلنا عنه ماذا نجيب؟ ثم أخرج الأموال وفرقها على العسكر وأمرهم بالثبات فامتثلوا أمره.

فتح حصن هونين (٢) (٣)

كان السلطان قد وكل بها بعض أمرائه، فاستمر يحاصرها حتى طلب أهلها الأمان، فورد الخبر على السلطان بذلك وهو على محاصرة صور فندب بدر الدين يلدرم البارزي - وهو من أكبر عظمائه - فمضى إليهم، وتسلمت هونين بما فيها، وتسلمها بيرم أخو صاحب بانياس وأقام السلطان على صور يحاصرها، فدخل الشتاء وضجر العسكر وكثرت الجرحى، وتوالت الأمطار، والسلطان يحرضهم على القتال والثبات وكثر القتل واشتد الأمر، وما زالوا يراجعون السلطان ويشيرون عليه بالرحيل.

وكان السلطان أنفق في تلك المدة أموالا كثيرة على آلة القتال، ولا يمكن نقلها وإن تركها تقوى بها الكفار فنقضها، وفك بعضها، وأحرق ما تعذر حمله،


(١) على ما هم فيه ب ج د هـ: - أ.
(٢) هونين أ ج د هـ: هرنين ب.
(٣) هونين: بلد في جبل عاملة مطل على فلسطين، ينظر: ياقوت، معجم البلدان ٥/ ٤٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>