للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رحيل السلطان إلى القدس (١)

وفي يوم الجمعة الثالث والعشرين من ذي القعدة ركب السلطان والغيث نازل وسار بمن معه حتى وصل إلى القدس قبل العصر ونزل بدار الأقساء المجاورة لكنيسة قمامة، وشرع في تحصين المدينة، وصلى يوم الجمعة مستهل ذي الحجة في قبة الصخرة، وفي يوم الأحد ثالث ذي الحجة وصل إليه عسكر من مصر، وتتابعت العساكر المصرية، ووصل الخبر بنزول الفرنج بالنطرون فوقع الإرجاف في الناس.

وجرت يوم الخميس سابع الشهر وقعة قرب بيت نوبة من سرية جهزها السلطان فوقعوا على سرية الفرنج فأسروها وقتلوها ووصلوا بزهاء خمسين أسيرا إلى القدس وكانت بشرى عظيمة. ثم وقعت وقعة أخرى قتل من الكفار ستة وأسر أربعة.

وصلى السلطان عيد الأضحى (٢) بالقدس يوم الأحد، وكانت الوقفة بمكة يوم الجمعة لكن لم ير الهلال بالقدس ليلة الخميس. وفي يوم الجمعة خامس عشر ذي الحجة وقعت وقعة بالرملة من أميرين أغارا على الفرنج وأخذا أموالا وأغناما وخيلا وجمالا وبغالا، وأسرا ممن كان في القافلة ثلاثين وأحضراهم للسلطان. وأحاط بالفرنج البلاء، وكثرت الغارات، فرحلوا وعادوا إلى الرملة، وطابت قلوب المسلمين.

ذكر ما اعتمده السلطان في عمارة القدس (٣)

وصل من الموصل جماعة للعمل في الخندق جهزهم صاحب الموصل صحبة بعض حجابه وسير معه ما لا يفرقه عليهم في رأس كل شهر، وأقاموا نصف سنة في العمل وأمر السلطان بحفر خندق عميق وأنشأ سورا، وأحضر من أسارى (٤) الفرنج قريبا من ألفين ورتبهم في ذلك، وجدد أبراجا حربية من باب العمود إلى باب المحراب، وباب المحراب هو المعروف الآن بباب الخليل، وأنفق عليها أموالا جزيلة وبناها بالأحجار الكبار، وكان الحجر يقطع من الخندق ويستعمل في بناء السور، وقسم بناء السور على أولاده وأخيه العادل وأمرائه، وصار يركب كل يوم ويحضر على بنائه، وكان يحمل الحجر على قربوس (٥) سرجه ويخرج الناس


(١) ينظر: ابن الأثير، الكامل ٩/ ٢١٦؛ ابن شداد ١٨٥.
(٢) الأضحى أ ج د هـ: الأضحية ب الوقفة ب ج د هـ: الوقعة ب.
(٣) ينظر: أبو شامة، الروضتين ٢/ ١٩٤؛ أبو الفداء، المختصر ٣/ ٨٣.
(٤) أسارى أهـ: أسرى ب: أسراء ج د قريبا من ألفين ب: قريب ألفين أ ج د هـ.
(٥) القربوس: الخشبة الصغيرة في مقدم السرج، يونانية معربة، ينظر: الحسيني ٤٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>