للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القاضي المالكي حين تكلم الناظر في المجلس كان في صلب الصلاة، فسمع كلامه فلما فرغ من الصلاة، وجه خطابه للأمير تغري ورمش، وقال له: يا خوند (١) إن كان هذا الرجل ينسبني لأخذ الرشوة على الأحكام الشرعية (٢)، فهو يأخذها على الأوقاف، فانتشر الكلام بينهما وأخذ شيخ الإسلام الكمالي ينتصر للناظر، وانتهر القاضي وقال له: تكذب، فبادر الناظر وأمر بإحضار المطالعة الواردة بعزل القاضي، فلما قرئت قال القاضي: أنا ولايتي من السلطان، وهذه مطالعة القاضي كاتب السر لا انعزل بها، فقيل له: أن كاتب السر هو لسان الملك، وقائم مقامه في العزل والولاية، وصرح الناظر بمنعه من تعاطي الأحكام الشرعية، فكثر الغوش على القاضي من الناس، وأفحشوا له بالقول، وخرج من المجلس معزولا، فتوجه من حينه إلى القاهرة ولم يقدر له ولاية بعد ذلك، ثم توجه إلى بلاد اليمن، فتوفي بها كما تقدم في ترجمته، ثم كتب الجواب للسلطان بما صدر من الكشف على النائب وما هو مرتكبه من الظلم وسوء السيرة، وكتب العلماء والقضاة والأعيان بالقدس خطوطهم على المحاضر، وكتب أهل الخليل أيضا محاضرة، وكتب عليها قاضي بلد الخليل وأعيانه، وجهزت لتعرض على المسامع الشريفة، ومضت السنة المذكورة والأحوال مضطربة لما وقع فيها من الكشف على النائب، وغير ذلك من اختلال النظام والله المدبر.

ثم دخلت سنة ٨٩٣ هـ (٣)

فيها شهر المحرم توجه نائب القدس الأمير خضر بك إلى الأبواب الشريفة بعد صدور الكشف عليه (٤) كما تقدم (٥)، وتوجه أيضا ناظر الحرمين الأمير ناصر الدين بن النشاشيبي في الشهر المذكور وتمثل كل منهما في الحضرة الشريفة، فلما وقف النائب للسلطان، وكان قد عرض عليه ما كتب في حقه من محاضر الكشف، ضربه السلطان وسجنه ورسم أن يدفع ما عليه من الحقوق لأربابها وعزله من النيابة، وأما الناظر فإنه استعفى من وظيفته، وسأل في عزل نفسه، فتوقف السلطان في ذلك فادعى العجز وألح عليه في الاستعفاء فاعفي، وشغرت كل من الوظيفتين النيابة


(١) خوند: لفظ فارسي تركي يعني السيد والأمير، وكانت تلقب به الملوك فقط، والملكات يلقبن بخاتون، وفي عهد المماليك لقبت به الأميرات والملكات، ينظر: القلقشندي ٦/ ٦٨؛ التونجي ٢٤٨.
(٢) الشرعية أ ب: - ج د هـ.
(٣) ٨٩٣ هـ/ ١٤٨٧ م.
(٤) عليه ب ج: - أ د هـ أيضا ب ج: - أ د هـ.
(٥) ينظر: ابن إياس ٤/ ٢٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>