للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال سليمان: ما كان الله ليخربه وأنا حي، أنت التي على وجهك هلاكي وخراب بيت المقدس، فنزعها وغرسها في حائط، ثم قال: اللهم غمم (١) على الجن موتي حتى تعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب.

وكانت الجن تخبر الإنس أنهم يعلمون من الغيب أشياء ويعلمون ما في غد، ثم دخل المحراب، فقام يصلي متكئا على عصاه، نقل أنه نحتها من الخروب، فمات قائما، وكان للمحراب كوى بين يديه وخلفه، فكان الجن يعملون تلك الأعمال الشاقة التي كانوا يعملون (٢) في حياته، وينظرون إليه يحسبون أنه حي، ولا ينكرون احتباسه عن الخروج إلى الناس لطول صلاته قبل ذلك، فمكثوا يدأبون له بعد موته حولا كاملا حتى أكلت الأرضة عصا سليمان، فخر ميتا فعلموا بموته فشكرت الجن الأرضة، فهم يأتونها بالماء والطين في جوف الخشب، فذلك قوله تعالى: ﴿ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلاّ دَابَّةُ الْأَرْضِ﴾ - وهي الأرضة - ﴿تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ﴾ - يعني عصاه - ﴿فَلَمّا خَرَّ﴾ - أي سقط على الأرض - ﴿تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ﴾ (١٤) (٣) أي علمت الجن (٤) وأيقنت أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين أي في التعب والشقاء مسخرين لسليمان وهو ميت، أراد الله بذلك أن يعلم الجن أنهم لا يعلمون الغيب لأنهم يظنون حياته، وقيل: إن معنى تبينت الجن، أي ظهرت (٥) وانكشفت الجن للأنس، أي ظهر أمرهم أنهم لا يعلمون الغيب، لأنهم كانوا قد شبهوا على الإنس ذلك.

وتوفي سليمان وعمره اثنتان (٦) وخمسون سنة، فكانت مدة ملكه أربعين سنة، فتكون وفاته في أواخر سنة خمس وسبعين وخمسمائة (٧) لوفاة موسى، ، وذلك بعد فراغ بناء (٨) بيت المقدس بسبع وعشرين سنة، فيكون الماضي من وفاته إلى عصرنا وهو أواخر سنة تسعمائة (٩) من الهجرة الشريفة النبوية ألفين وستمائة وثلاثا وسبعين سنة، والله أعلم.


(١) غمم أ: غم ب ج د: غمي هـ.
(٢) يعملون أ ج د هـ: يعملونها ب في حياته أ ب ج د: في حال حياته هـ.
(٣) سبأ: [١٤].
(٤) علمت الجن … المهين ب: - أ ج د هـ.
(٥) أي ظهرت وانكشفت الجن للإنس أ ب ج د: - هـ.
(٦) اثنتان وخمسون ب: اثنان وخمسون أ ج د هـ.
(٧) وخمسمائة أ ب ج د: - هـ.
(٨) بناء ب ج د: - أهـ بسبع أ: بتسع ب ج د هـ.
(٩) ٩٠٠ هـ/ ١٤٩٤ م.

<<  <  ج: ص:  >  >>