للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأتاه بملح جريش وكوز خزف فيه ماء. فلما نظر عمر إلى ذلك بكى، ثم التزمه وقال: أنت أخي، وما من أحد من أصحابي إلا وقد نال من الدنيا ونالت منه غيرك، فقال له أبو عبيدة: ألم أخبرك أنك ستعصب عينيك.

ثم إن عمر قام في الناس فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله وصلى على النبي، ، ثم قال: «يا أهل الإسلام إن الله تعالى قد صدقكم الوعد ونصركم على الأعداء وورثكم (١) البلاد، ومكن لكم في الأرض فلا يكونن جزاؤه منكم إلا الشكر وإياكم والعمل بالمعاصي فإن العمل بالمعاصي كفر النعم. وقلما كفر قوم بما أنعم الله عليهم ثم لم يفزعوا إلى التوبة إلا سلبوا عزهم وسلط عليهم عدوهم». ثم نزل، وحضرت (٢) الصلاة فقال: يا بلال ألا تؤذن لنا رحمك الله، قال بلال: يا أمير المؤمنين والله ما أردت أن أؤذن لأحد بعد رسول الله، ، ولكن سأطيعك إذا (٣) أمرتني في هذه الصلاة وحدها.

فلما أذن بلال وسمعت الصحابة صوته ذكروا نبيهم، ، فبكوا بكاء شديدا (٤) ولم يكن من المسلمين يومئذ أطول بكاء من أبي عبيدة (٥) ومعاذ بن جبل، حتى قال لهما عمر: حسبكما رحمكما الله.

فلما قضى صلاته انصرف أمير المؤمنين راجعا (٦) إلى المدينة واجتهد فيما هو بصدده من إقامة شعائر الإسلام والنظر في مصالح المسلمين والجهاد في سبيل الله.

ولم يزل كذلك حتى توفي، ، وجمعنا به وجمع بيننا وبينه في دار الكرامة إنه ولي الحسنات وغافر السيئات عنه وكرمه.

وقد حكى المصنفون بفضائل (٧) بيت المقدس قصة الفتح من طرق كثيرة بروايات وألفاظ مختلفة وأحسن ما رأيت منها ما نقلته هنا، والله الموفق.


(١) وورثكم أ ج هـ: وأورثكم ب د.
(٢) وحضرت أ ب ج د: وحضرته هـ.
(٣) إذا أ ج د هـ: إذ ب.
(٤) ينظر: ابن الأثير، الكامل ٢/ ٣٩٤.
(٥) أبي عبيدة ب ج د: - أهـ.
(٦) راجعا إلى المدينة أ ب ج: - د هـ.
(٧) بفضائل أ د هـ: لفضائل ب ج وأحسن أ د هـ: فأحسن ب ج.

<<  <  ج: ص:  >  >>