للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أول من لقب بالسلطان، من ملوك مصر، والله أعلم، فإني رأيت في التواريخ من لقب بالسلطان من ملوك العراق (١) قبل الملك صلاح الدين.

وخلف سبعة عشر ولدا ذكرا وابنة صغيرة، ولم يخلف في خزائنه سوى دينار واحد وستة وثلاثين درهما ناصرية. وهذا من رجل له الديار المصرية والشام وبلاد المشرق واليمن دليل قاطع على فرط كرمه. ولم يخلف دارا ولا عقار ولم يكن له فرس يركبه إلا وهو موهوب أو موعود، وكانت مجالسه منزهة عن الهزء (٢) والهزل، ولم يؤخر صلاة عن وقتها ولا صلى إلا جماعة، وكان شافعي المذهب، يكثر من سماع الحديث النبوي، وقرأ مختصرا في الفقه تصنيف سليم الرازي (٣)، وكان إذا عزم على أمر توكل على الله، وكان حسن الخلق صبورا على ما يكره كثير التغافل عن ذنوب أصحابه، يسمع من أحدهم ما يكره ولا يعلمه بذلك ولا يتغير عليه، وكان يوما جالسا فرمى بعض المماليك بعضا بسرموزة (٤) فأخطأته، ووصلت إلى السلطان فأخطأته، ووقعت بالقرب منه، فالتفت إلى الجهة الأخرى ليتغافل عنها، وكان طاهر المجلس فلا يذكر أحد في مجلسه إلا بالخير، وطاهر اللسان فلا يولع بشتم قط. وقد أخبرت أن الدعاء عند قبره مستجاب، وكذلك عند قبر الملك العادل نور الدين الشهيد، رحمة الله عليهما.

وقد رثى الملك صلاح الدين الشعراء وأكثروا فيه ومن أحسن المراثي مرثية العماد الكاتب وهي ٢٣٢ (٥) بيتا منها (٦):

شمل الهدى والملك عم شتاته … والدهر ساء وأقلعت حسناته

بالله أين الذي ما زال سلطانا لنا … يرجى نداه وتتقى سطواته

أغلال أعناق العدى أسيافه … أطواق أجياد الورى مناته (٧)

من في الجهاد صفاحه ما أغمدت … بالنصر حتى أغمدت صفحاته


(١) بالسلطان من ملوك العراق أ ب ج د: - هـ.
(٢) الهزء أ ج د هـ: الهزؤ ب.
(٣) أبو الفتح سليم بن أيوب الرازي، تفقه على الشيخ أبي حامد الإسفرائيني، وكان فقيها أصوليا، سكن الشام وتفقه عليه أهله، وله مصنفات كثيرة، مات سنة ٤٤٩ هـ/ ١٠٥٧ م، ينظر: الشيرازي ١٣٩؛ ابن خلكان ٢/ ٣٩٧ - ٣٩٨؛ اليافعي ٣/ ٦٤؛ السبكي ٣/ ١٦٨؛ البغدادي، هدية ٥/ ٣٢٥.
(٤) سرموزة: السرموجة: نوع من الأحذية يعرف عند العامة بالسرماية أو الصرماية، فارسية معربة، ينظر: الحسيني ٤٤٩.
(٥) ٢٣٢ بيتا أ: مائتان واثنان وثلاثون بيتا ب ج د هـ منها أهـ: ب ج د.
(٦) ينظر: أبو شامة، الروضتين ٢/ ٢١٥.
(٧) أطواق أبو شامة ب ج د هـ: أطياق أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>