للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رَهَنَهُ عَبْدًا بِدَنَانِيرَ وَعَبْدًا بِحِنْطَةٍ فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ كَانَتْ الْجِنَايَةُ هَدَرًا.

وَأَكْرَهُ أَنْ يَرْهَنَ مِنْ مُشْرِكٍ مُصْحَفًا أَوْ عَبْدًا مُسْلِمًا وَأُجْبِرُهُ عَلَى أَنْ يَضَعَهُمَا عَلَى يَدَيْ مُسْلِمٍ وَلَا بَأْسَ بِرَهْنِهِ مَا سِوَاهُمَا «رَهَنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِرْعَهُ عِنْدَ أَبِي الشَّحْمِ الْيَهُودِيِّ». (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فِي غَيْرِ كِتَابِ الرَّهْنِ الْكَبِيرِ: إنَّ الرَّهْنَ فِي الْمُصْحَفِ وَالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ مِنْ النَّصْرَانِيِّ بَاطِلٌ.

بَابُ اخْتِلَافِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَمَعْقُولٌ إذَا أَذِنَ اللَّهُ - جَلَّ وَعَزَّ - بِالرَّهْنِ أَنَّهُ زِيَادَةُ وَثِيقَةٍ لِصَاحِبِ الْحَقِّ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِالْحَقِّ بِعَيْنِهِ وَلَا جُزْءًا مِنْ عَدَدِهِ وَلَوْ بَاعَ رَجُلًا شَيْئًا عَلَى أَنْ يَرْهَنَهُ مِنْ مَالِهِ مَا يَعْرِفَانِهِ يَضَعَانِهِ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ أَوْ عَلَى يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ كَانَ الْبَيْعُ جَائِزًا وَلَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ تَامًّا حَتَّى يَقْبِضَهُ الْمُرْتَهِنُ، وَلَوْ امْتَنَعَ الرَّاهِنُ أَنْ يُقْبِضَهُ الرَّهْنَ لَمْ يُجْبِرْهُ وَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ فِي إتْمَامِ الْبَيْعِ بِلَا رَهْنٍ أَوْ رَدِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِذِمَّتِهِ دُونَ الرَّهْنِ وَهَكَذَا لَوْ بَاعَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ حَمِيلًا بِعَيْنِهِ فَلَمْ يَتَحَمَّلْ لَهُ فَلَهُ رَدُّ الْبَيْعِ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي رَدُّ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ نَقْصٌ يَكُونُ لَهُ بِهِ الْخِيَارُ، وَلَوْ كَانَا جَهِلَا الرَّهْنَ أَوْ الْحَمِيلَ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْت أَنَا: هَذَا عِنْدِي غَلَطٌ الرَّهْنُ فَاسِدٌ لِلْجَهْلِ بِهِ وَالْبَيْعُ جَائِزٌ لِعِلْمِهِمَا بِهِ وَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَتَمَّ الْبَيْعَ بِلَا رَهْنٍ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ لِبُطْلَانِ الْوَثِيقَةِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ قَالَ: أَرْهَنُك أَحَدَ عَبْدَيَّ كَانَ فَاسِدًا لَا يَجُوزُ إلَّا مَعْلُومًا يَعْرِفَانِهِ جَمِيعًا بِعَيْنِهِ، وَلَوْ أَصَابَ الْمُرْتَهِنُ بَعْدَ الْقَبْضِ بِالرَّهْنِ عَيْبًا فَقَالَ: كَانَ بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَأَنَا أَفْسَخُ الْبَيْعَ. وَقَالَ الرَّاهِنُ: بَلْ حَدَثَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ مَعَ يَمِينِهِ إذَا كَانَ مِثْلُهُ يَحْدُثُ، وَلَوْ قُتِلَ الرَّهْنُ بِرِدَّةٍ أَوْ قُطِعَ بِسَرِقَةٍ قَبْلَ الْقَبْضِ كَانَ لَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْت أَنَا: فِي هَذَا دَلِيلٌ أَنَّ الْبَيْعَ وَإِنْ جَهِلَا الرَّهْنَ أَوْ الْحَمِيلَ غَيْرُ فَاسِدٍ، وَإِنَّمَا لَهُ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ أَوْ إثْبَاتِهِ لِجَهْلِهِ بِالرَّهْنِ أَوْ الْحَمِيلِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِنْ كَانَ حَدَثَ ذَلِكَ بَعْدَ الْقَبْضِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ، وَلَوْ مَاتَ فِي يَدَيْهِ، وَقَدْ دَلَّسَ لَهُ فِيهِ بِعَيْبٍ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ فَسْخَ الْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ؛ لِمَا فَاتَ مِنْ الرَّهْنِ. وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطَا رَهْنًا فِي الْبَيْعِ فَتَطَوَّعَ الْمُشْتَرِي فَرَهَنَهُ فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى إخْرَاجِهِ مِنْ الرَّهْنِ وَبَقِيَ مِنْ الْحَقِّ شَيْءٌ.

وَلَوْ اشْتَرَطَا أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ نَفْسُهُ رَهْنًا فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ الْمَبِيعُ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ مَحْبُوسًا عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَوْ قَالَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ: أَرْهَنُك عَلَى أَنْ تَزِيدَنِي فِي الْأَجَلِ فَفَعَلَا فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ وَالْحَقُّ الْأَوَّلُ بِحَالِهِ وَيَرُدُّ مَا زَادَهُ. وَإِذَا أَقَرَّ أَنَّ الْمَوْضُوعَ عَلَى يَدَيْهِ قَبَضَ الرَّهْنَ جَعَلْته رَهْنًا، وَلَمْ أَقْبَلْ قَوْلَ الْعَدْلِ لَمْ أَقْبِضْهُ وَأَيُّهُمَا مَاتَ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْت أَنَا: وَجُمْلَةُ قَوْلِهِ فِي اخْتِلَافِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الرَّاهِنِ فِي الْحَقِّ، وَالْقَوْلَ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ فِي الرَّهْنِ فِيمَا يُشْبِهُ وَلَا يُشْبِهُ وَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلَيْنِ رَهَنْتُمَانِي عَبْدَكُمَا هَذَا بِمِائَةٍ، وَقَبَضْته مِنْكُمَا فَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ كَانَ نِصْفُهُ رَهْنًا بِخَمْسِينَ وَنِصْفُهُ خَارِجًا مِنْ الرَّهْنِ فَإِنْ شَهِدَ شَرِيكُ صَاحِبِ نِصْفِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ بِدَعْوَى الْمُرْتَهِنِ، وَكَانَ عَدْلًا حَلَفَ الْمُرْتَهِنُ مَعَهُ وَكَانَ نَصِيبُهُ مِنْهُ رَهْنًا بِخَمْسِينَ وَلَا مَعْنَى فِي شَهَادَتِهِ نَرُدُّهَا بِهِ. وَإِذَا كَانَتْ لَهُ عَلَى رَجُلٍ أَلْفَانِ إحْدَاهُمَا بِرَهْنٍ وَالْأُخْرَى بِغَيْرِ رَهْنٍ فَقَضَاهُ أَلْفًا ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْقَاضِي: هِيَ الَّتِي فِي الرَّهْنِ. وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: هِيَ الَّتِي بِلَا رَهْنٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاضِي مَعَ يَمِينِهِ. وَلَوْ قَالَ رَهَنْته هَذِهِ الدَّارَ الَّتِي فِي يَدَيْهِ بِأَلْفٍ وَلَمْ أَدْفَعْهَا إلَيْهِ فَغَصَبَنِيهَا أَوْ تَكَارَاهَا مِنَى رَجُلٌ وَأَنْزَلَهُ فِيهَا أَوْ تَكَارَاهَا هُوَ مِنِّي فَنَزَلَهَا وَلَمْ أُسَلِّمْهَا رَهْنًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ.

<<  <   >  >>