للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ بِأَمْرِهِ لَمْ يُجِزْهُ؛ لِأَنَّ الْأَبْدَانَ تَعَبَّدَتْ بِعَمَلٍ فَلَا يُجْزِي أَنْ يَعْمَلَهُ غَيْرُهَا إلَّا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلْخَبَرِ الَّذِي جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِأَنَّ فِيهِمَا نَفَقَةً وَلِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إنَّمَا فَرَضَهُمَا عَلَى مَنْ وَجَدَ السَّبِيلَ إلَيْهِمَا وَالسَّبِيلُ بِالْمَالِ.

وَمَنْ اشْتَرَى مِمَّا أَطْعَمَ أَوْ كَسَا أَجْزَتْهُ وَلَوْ تَنَزَّهَ عَنْ ذَلِكَ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَمَنْ كَانَ لَهُ مَسْكَنٌ لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ هُوَ وَأَهْلُهُ وَخَادِمٌ أَعْطَى مِنْ الْكَفَّارَةِ وَالزَّكَاةِ، وَإِنْ كَانَ فِي مَسْكَنِهِ فَضْلٌ عَنْ خَادِمِهِ وَأَهْلِهِ، الْفَضْلُ الَّذِي يَكُونُ بِهِ غَنِيًّا لَمْ يُعْطِ، وَإِذَا حَنِثَ مُوسِرًا ثُمَّ أَعْسَرَ لَمْ أَرَ الصَّوْمَ يُجْزِي عَنْهُ وَآمُرُهُ احْتِيَاطًا أَنْ يَصُومَ فَإِذَا أَيْسَرَ كَفَّرَ وَإِنَّمَا أَنْظُرُ فِي هَذَا إلَى الْوَقْتِ الَّذِي يَحْنَثُ فِيهِ. وَلَوْ حَنِثَ مُعْسِرًا فَأَيْسَرَ أَحْبَبْت لَهُ أَنْ يُكَفِّرَ وَلَا يَصُومَ وَإِنْ صَامَ أَجْزَأَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ حِينَ حَنِثَ حُكْمُ الصِّيَامِ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) وَقَدْ قَالَ فِي الظِّهَارِ إنَّ حُكْمَهُ حِينَ يُكَفِّرُ وَقَدْ قَالَ فِي جَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ: إنْ تَظَاهَرَ فَلَمْ يَجِدْ رَقَبَةً أَوْ أَحْدَثَ فَلَمْ يَجِدْ مَاءً فَلَمْ يَصُمْ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ حَتَّى وَجَدَ الرَّقَبَةَ وَالْمَاءَ إنَّ فَرْضَهُ الْعِتْقُ وَالْوُضُوءُ وَقَوْلُهُ فِي جَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ أَوْلَى بِهِ مِنْ انْفِرَادِهِ عَنْهَا قَالَ: وَمَنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْكَفَّارَةِ وَالزَّكَاةِ فَلَهُ أَنْ يَصُومَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ وَلَا يُعْتِقَ فَإِنْ فَعَلَ أَجْزَأَهُ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا وَمَالُهُ غَائِبٌ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُكَفِّرَ حَتَّى يُحْضِرَ مَالَهُ إلَّا بِالْإِطْعَامِ أَوْ الْكِسْوَةِ أَوْ الْعِتْقِ.

بَابُ مَا يُجْزِي مِنْ الْكِسْوَةِ فِي الْكَفَّارَةِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَقَلُّ مَا يُجْزِي مِنْ الْكِسْوَةِ كُلُّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ كِسْوَةٍ مِنْ عِمَامَةٍ أَوْ سَرَاوِيلَ أَوْ إزَارٍ أَوْ مُقَنَّعَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِرَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ، وَلَوْ اسْتَدَلَّ بِمَا يَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ مِنْ الْكِسْوَةِ عَلَى كِسْوَةِ الْمَسَاكِينِ لَجَازَ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِمَا يَكْفِيهِ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ أَوْ فِي السَّفَرِ مِنْ الْكِسْوَةِ، وَقَدْ أَطْلَقَهُ اللَّهُ فَهُوَ مُطْلَقٌ.

بَابُ مَا يَجُوزُ فِي عِتْقِ الْكَفَّارَاتِ وَمَا لَا يَجُوزُ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يُجْزِئُ رَقَبَةٌ فِي كَفَّارَةٍ وَلَا وَاجِبٍ إلَّا مُؤْمِنَةٌ وَأَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْإِيمَانِ عَلَى الْأَعْجَمِيِّ أَنْ يَصِفَ الْإِيمَانَ إذَا أُمِرَ بِصِفَتِهِ ثُمَّ يَكُونَ بِهِ مُؤْمِنًا وَيُجْزِي فِيهِ الصَّغِيرُ إذَا كَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَوَلَدُ الزِّنَا وَكُلُّ ذِي نَقْصٍ بِعَيْبٍ لَا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ إضْرَارًا بَيِّنًا مِثْلَ الْعَرَجِ الْخَفِيفِ وَالْعَوَرِ وَالشَّلَلِ فِي الْخِنْصَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَا يُجْزِئُ الْمُقْعَدُ وَلَا الْأَعْمَى وَلَا الْأَشَلُّ الرِّجْلَ وَيُجْزِئُ الْأَصَمُّ وَالْخَصِيُّ وَالْمَرِيضُ الَّذِي لَيْسَ بِهِ مَرَضُ زَمَانَةٍ مِثْلُ الْفَالِجِ وَالسُّلِّ.

وَلَوْ اشْتَرَى مَنْ يُعْتِقُ عَلَيْهِ لَمْ يُجِزْهُ وَلَا يُعْتِقُ عَلَيْهِ إلَّا الْوَالِدُونَ وَالْمَوْلُودُونَ، وَلَوْ اشْتَرَى رَقَبَةً بِشَرْطِ أَنْ يُعْتِقَهَا لَمْ تُجْزِ عَنْهُ وَيُجْزِئُ الْمُدَبَّرُ وَلَا يَجُوزُ الْمُكَاتَبُ حَتَّى يَعْجِزَ فَيُعْتِقَ بَعْدَ الْعَجْزِ وَيُجْزِئُ الْمُعْتَقُ إلَى سِنِينَ وَاحْتَجَّ فِي كِتَابِ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ عَلَى مَنْ أَجَازَ عِتْقَ الذِّمِّيِّ فِي الْكَفَّارَةِ بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا ذَكَرَ رَقَبَةً فِي كَفَّارَةٍ فَقَالَ: مُؤْمِنَةً ثُمَّ ذَكَرَ رَقَبَةً أُخْرَى فِي كَفَّارَةٍ كَانَتْ مُؤْمِنَةً؛ لِأَنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ فِي أَنَّهُمَا كَفَّارَتَانِ وَلَمَّا رَأَيْنَا مَا فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ مَنْقُولًا إلَى الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ مَالِهِ فَرْضًا عَلَيْهِ فَيُعْتِقَ بِهِ ذِمِّيًّا وَيَدَعَ مُؤْمِنًا.

<<  <   >  >>