للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَشْتَرِيَ مَنْ يُعْتِقَ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ حُرًّا وَلَهُ أَنْ يَقْبَلَهُمْ إنْ أَوْصَى لَهُ بِهِمْ وَيَكْتَسِبُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَيَأْخُذَ فَضْلَ كَسْبِهِمْ وَمَا أَفَادُوا فَإِنْ مَرِضُوا أَوْ عَجَزُوا عَنْ الْكَسْبِ أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ وَإِنْ جَنَوْا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْدِيَهُمْ وَبِيعَ مِنْهُمْ بِقَدْرِ جِنَايَاتِهِمْ.

وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ فَإِنْ قِيلَ: بِيعَتْ بَرِيرَةَ قِيلَ: هِيَ الْمُسَاوِمَةُ بِنَفْسِهَا عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَالْمُخْبِرَةُ بِالْعَجْزِ بِطَلَبِهَا أُوقِيَّةً وَالرَّاضِيَةُ بِالْبَيْعِ فَإِنْ قِيلَ: فَمَا مَعْنَى «قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ اشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ؟» قُلْت أَنَا لِلشَّافِعِيِّ فِي هَذَا جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا يُبْطِلُ الشَّرْطَ وَيُجِيزُ الْعِتْقَ وَيَجْعَلُهُ خَاصًّا وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: هَذَا مِنْ أَشَدِّ مَا يَغْلَطُ فِيهِ وَإِنَّمَا جَاءَ بِهِ هِشَامٌ وَحْدَهُ وَغَيْرُهُ قَدْ خَالَفَهُ وَضَعَّفَهُ (قَالَ الْمُزَنِيّ) هَذَا أَوْلَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَكَانِهِ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يُنْكِرُ عَلَى نَاسٍ شَرْطًا بَاطِلًا وَيَأْمُرُ أَهْلَهُ بِإِجَابَتِهِمْ إلَى بَاطِلٍ وَهُوَ عَلَى أَهْلِهِ فِي اللَّهِ أَشَدُّ وَعَلَيْهِمْ أَغْلَظُ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ لَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ اشْتَرِطِي عَلَيْهِمْ أَنَّ لَك إنْ اشْتَرَيْت وَأَعْتَقْت الْوَلَاءَ أَيْ لَا تُغْرِيهِمْ، وَاللُّغَةُ تَحْتَمِلُ ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {لَهُمُ اللَّعْنَةُ} وَقَالَ {أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ} وَكَذَلِكَ قَالَ تَعَالَى {أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلا} وَقَالَ {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} أَيْ فَعَلَيْهَا وَقَالَ {وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} فَقَامَتْ لَهُمْ مَقَامَ " عَلَيْهِمْ " فَتَفَهَّمْ رَحِمَك اللَّهُ.

بَابُ كِتَابَةِ النَّصْرَانِيِّ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَتَجُوزُ كِتَابَةُ النَّصْرَانِيِّ بِمَا تَجُوزُ بِهِ كِتَابَةُ الْمُسْلِمِ فَإِنْ أَسْلَمَ الْعَبْدُ ثُمَّ تَرَافَعَا إلَيْنَا فَهُوَ عَلَى الْكِتَابَةِ إلَّا أَنْ يَعْجِزَ فَيُبَاعَ عَلَى النَّصْرَانِيِّ فَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى حَلَالٍ عِنْدَهُمْ حَرَامٍ عِنْدَنَا أَبْطَلْنَا مَا بَقِيَ مِنْ الْكِتَابَةِ فَإِنْ أَدَّاهَا ثُمَّ تَحَاكَمَا إلَيْنَا فَقَدْ عَتَقَ الْعَبْدُ وَلَا يَرُدُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَضَى فِي النَّصْرَانِيَّةِ وَلَوْ أَسْلَمَا وَبَقِيَ مِنْ الْكِتَابَةِ شَيْءٌ مِنْ خَمْرٍ فَقَبَضَهُ السَّيِّدُ عَتَقَ بِقَبْضِهِ آخِرَ كِتَابَتِهِ وَرَجَعَ عَلَى الْعَبْدِ بِقِيمَتِهِ.

وَلَوْ اشْتَرَى مُسْلِمًا فَكَاتَبَهُ فَفِيهَا قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْكِتَابَةَ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِخْرَاجٍ لَهُ مِنْ مِلْكِهِ تَامٍّ فَإِنْ أَدَّى جَمِيعَ الْكِتَابَةِ عَتَقَ بِكِتَابَةٍ فَاسِدَةٍ وَتَرَاجَعَا كَمَا وَصَفْت.

وَالْقَوْلُ الْآخَرُ: إنَّهَا جَائِزَةٌ فَمَتَى عَجَزَ بِيعَ عَلَيْهِ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) الْقَوْلُ الْآخَرُ أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ النَّصْرَانِيِّ بِكِتَابَتِهِ وَعَسَى أَنْ يُؤَدِّيَ فَيُعْتِقَ فَإِنْ عَجَزَ رُقَّ وَبِيعَ مَكَانَهُ وَفِي تَثْبِيتِهِ الْكِتَابَةَ إذَا أَسْلَمَ الْعَبْدُ وَمَوْلَاهُ نَصْرَانِيٌّ عَلَى مَا قُلْت دَلِيلٌ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

كِتَابَةُ الْحَرْبِيِّ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): إذَا كَاتَبَ الْحَرْبِيُّ عَبْدَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَا مُسْتَأْمَنَيْنِ أَثْبَتَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحْدَثَ لَهُ قَهْرًا فِي إبْطَالِ كِتَابَتِهِ فَالْكِتَابَةُ بَاطِلَةٌ، وَلَوْ كَانَ السَّيِّدُ مُسْلِمًا فَالْكِتَابَةُ ثَابِتَةٌ فَإِنْ سُبِيَ لَمْ يَكُنْ رَقِيقًا؛ لِأَنَّ لَهُ أَمَانًا مِنْ مُسْلِمٍ بِعِتْقِهِ إيَّاهُ وَلَوْ كَاتَبَهُ الْمُسْتَأْمَنُ عِنْدَنَا وَأَرَادَ إخْرَاجَهُ مُنِعَ وَقِيلَ: إنْ أَقَمْت فَأَدِّ الْجِزْيَةَ وَإِلَّا فَوَكَّلَ بِقَبْضِ نُجُومِهِ، فَإِنْ أَدَّى عَتَقَ وَالْوَلَاءُ لَك وَإِنْ مِتّ دُفِعَتْ إلَى وَرَثَتِك، وَقَالَ فِي كِتَابِ السِّيَرِ:

<<  <   >  >>