وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنْ شَهِدَتْ امْرَأَتَانِ لِرَجُلٍ بِمَالٍ حَلَفَ مَعَهُنَّ وَلَقَدْ خَالَفَهُ عَدَدٌ أَحْفَظُ ذَلِكَ عَنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهَذَا إجَازَةُ النِّسَاءِ بِغَيْرِ رَجُلٍ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُجِيزَ أَرْبَعًا فَيُعْطِيَ بِهِنَّ حَقًّا فَإِنْ قَالَ: إنَّهُمَا مَعَ يَمِينِ رَجُلٍ فَيَلْزَمُهُ أَنْ لَا يُجِيزَهُمَا مَعَ يَمِينِ امْرَأَةٍ وَالْحُكْمُ فِيهِمَا وَاحِدٌ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَكَانَ الْقَتْلُ وَالْجِرَاحُ وَشُرْبُ الْخَمْرِ وَالْقَذْفِ مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ عَدَدَ الشُّهُودِ فَكَانَ ذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى شَاهِدَيْ الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ مِمَّا وَصَفْت (قَالَ): وَلَا يُحِلُّ حُكْمُ الْحَاكِمِ الْأُمُورَ عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ يَقْضِي بِالظَّاهِرِ وَيَتَوَلَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ السَّرَائِرَ، فَقَالَ «مَنْ قَضَيْت لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ بِشَيْءٍ فَلَا يَأْخُذُهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ» فَلَوْ شَهِدَا بِزُورٍ أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَفَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا كَانَتْ لَهُ حَلَالًا غَيْرَ أَنَّا نَكْرَهُ أَنْ يَطَأَهَا فَيُحَدَّا وَيَلْزَمُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ فُرْقَتَهُ فُرْقَةٌ تُحَرَّمُ بِهَا عَلَى الزَّوْجِ وَيَحِلُّ لِأَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَقُولَ: لَوْ شَهِدَا لَهُ بِزُورٍ أَنَّ هَذَا قَتَلَ ابْنَهُ عَمْدًا فَأَبَاحَ لَهُ الْحَاكِمُ دَمَهُ أَنْ يُرِيقَ دَمَهُ وَيَحِلُّ لَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
بَابُ شَهَادَةِ النِّسَاءِ لَا رَجُلَ مَعَهُنَّ وَالرَّدِّ عَلَى مَنْ أَجَازَ شَهَادَةَ امْرَأَةٍ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ مِنْ كِتَابِ اخْتِلَافِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَبِي حَنِيفَةَ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالْوِلَادَةُ وَعُيُوبُ النِّسَاءِ مِمَّا لَمْ أَعْلَمْ فِيهِ مُخَالِفًا فِي أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ جَائِزَةٌ فِيهِ لَا رَجُلَ مَعَهُنَّ وَاخْتَلَفُوا فِي عَدَدِهَا فَقَالَ عَطَاءٌ: لَا يَكُونُ فِي شَهَادَةِ النِّسَاءِ لَا رَجُلَ مَعَهُنَّ فِي أَمْرِ النِّسَاءِ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعٍ عُدُولٍ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ النِّسَاءَ فَجَعَلَ امْرَأَتَيْنِ يَقُومَانِ مَقَامَ رَجُلٍ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَجَازَهُمَا فِيهِ دَلَّ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إذْ أَجَازَ الْمُسْلِمُونَ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِي مَوْضِعٍ أَنْ لَا يَجُوزَ مِنْهُنَّ إلَّا أَرْبَعٌ عُدُولٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْنَى حُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقُلْت لِمَنْ يُجِيزُ شَهَادَةَ امْرَأَةٍ فِي الْوِلَادَةِ كَمَا يُجِيزُ الْخَبَرَ بِهَا لَا مِنْ قِبَلِ الشَّهَادَةِ وَأَيْنَ الْخَبَرُ مِنْ الشَّهَادَةِ أَتَقْبَلُ امْرَأَةً عَنْ امْرَأَةٍ أَنَّ امْرَأَةَ رَجُلٍ وَلَدَتْ هَذَا الْوَلَدَ؟ قَالَ: لَا، قُلْت: فَتُقْبَلُ فِي الْخَبَرِ أَخْبَرَنَا فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: فَالْخَبَرُ هُوَ مَا اسْتَوَى فِيهِ الْمُخْبِرُ وَالْمُخْبَرُ، وَالْعَامَّةُ مِنْ حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: وَالشَّهَادَةُ مَا كَانَ الشَّاهِدُ مِنْهُ خَلِيًّا وَالْعَامَّةُ وَإِنَّمَا نُلْزِمُ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ؟ قَالَ نَعَمْ: قُلْت: أَفَتَرَى هَذَا مُشْبِهًا لِهَذَا؟ قَالَ: أَمَّا فِي هَذَا فَلَا.
بَابُ شَهَادَةِ الْقَاذِفِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَمَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُضْرَبَ الْقَاذِفُ ثَمَانِينَ وَلَا تُقْبَلَ لَهُ شَهَادَةٌ أَبَدًا وَسَمَّاهُ فَاسِقًا إلَّا أَنْ يَتُوبَ فَإِذَا تَابَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَلَا خِلَافَ بَيْنَنَا فِي الْحَرَمَيْنِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا فِي أَنَّهُ إذَا تَابَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالتَّوْبَةُ إكْذَابُهُ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّهُ أَذْنَبَ بِأَنْ نَطَقَ بِالْقَذْفِ وَالتَّوْبَةُ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ: الْقَذْفُ بَاطِلٌ كَمَا تَكُونُ الرِّدَّةُ بِالْقَوْلِ وَالتَّوْبَةُ عَنْهَا بِالْقَوْلِ فَإِنْ كَانَ عَدْلًا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَإِلَّا فَحَتَّى يَحْسُنَ حَالُهُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: سَمِعْت الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: زَعَمَ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَنَّ شَهَادَةَ الْقَذْفِ لَا تَجُوزُ فَأَشْهَدُ لَأَخْبَرَنِي ثُمَّ سَمَّى الَّذِي أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِأَبِي بَكْرَةَ: تُبْ تُقْبَلْ