للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لَيْسَ بِمُعْتِقٍ فَلَا وَلَاءَ لَهُ، وَلَوْ أَعْتَقَ مُسْلِمٌ نَصْرَانِيًّا أَوْ نَصْرَانِيٌّ مُسْلِمًا فَالْوَلَاءُ ثَابِتٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ وَلَا يَتَوَارَثَانِ لِاخْتِلَافِ الدِّينِ وَلَا يَقْطَعُ اخْتِلَافُ الدِّينِ الْوَلَاءَ كَمَا لَا يَقْطَعُ النَّسَبَ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ} {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ} فَلَمْ يَقْطَعْ النَّسَبَ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ فَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ وَمَنْ أَعْتَقَ سَائِبَةً فَهُوَ مُعْتِقٌ وَلَهُ الْوَلَاءُ وَمَنْ وَرَّثَ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ أَوْ مَاتَ عَنْ أُمِّ وَلَدٍ لَهُ فَلَهُ وَلَاؤُهُمْ وَإِنْ لَمْ يُعْتِقْهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ فِي مَعْنَى مَنْ أَعْتَقَ وَالْمُعْتِقُ السَّائِبَةَ مُعْتِقٌ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا فِي مَعْنَى الْمُعْتِقِينَ فَكَيْفَ لَا يَكُونُ لَهُ وَلَاؤُهُ.

(قَالَ): فَالْمُعْتِقُ سَائِبَةً قَدْ أَنْفَذَ اللَّهُ لَهُ الْعِتْقَ؛ لِأَنَّهُ طَاعَةٌ وَأَبْطَلَ الشَّرْطَ بِأَنْ لَا وَلَاءَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ».

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا أَخَذَ أَهْلُ الْفَرَائِضِ فَرَائِضَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَصَبَةُ قَرَابَةٍ مِنْ قِبَلِ الصُّلْبِ كَانَ مَا بَقِيَ لِلْمَوْلَى الْمُعْتَقِ.

وَلَوْ تَرَكَ ثَلَاثَةَ بَنِينَ اثْنَانِ لِأُمٍّ فَهَلَكَ أَحَدُ الِاثْنَيْنِ لِأُمٍّ وَتَرَكَ مَالًا وَمَوَالِيَ فَوَرِثَ أَخُوهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ مَالَهُ وَوَلَاءَ مَوَالِيهِ ثُمَّ هَلَكَ الَّذِي وَرِثَ الْمَالَ وَوَلَاءَ الْمَوْلَى وَتَرَكَ ابْنَهُ وَأَخَاهُ لِأَبِيهِ فَقَالَ ابْنُهُ: قَدْ أَحْرَزْت مَا كَانَ أَبِي أَحْرَزَهُ، وَقَالَ أَخُوهُ: إنَّمَا أَحْرَزْت الْمَالَ وَأَمَّا وَلَاءُ الْمَوَالِي فَلَا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): الْأَخُ أَوْلَى بِوَلَاءِ الْمَوَالِي وَقَضَى بِذَلِكَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ الْعَصَبَةِ أَوْلَى بِمِيرَاثِ الْمَوَالِي وَالْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْلَى مِنْ الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَإِنْ كَانَ جَدٌّ وَأَخٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْأَخُ أَوْلَى وَكَذَلِكَ بَنُو الْأَخِ وَإِنْ سَفَلُوا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُمَا سَوَاءٌ وَلَا يَرِثُ النِّسَاءُ الْوَلَاءَ وَلَا يَرِثْنَ إلَّا مَنْ أَعْتَقْنَ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ.

مُخْتَصَرُ كِتَابَيْ الْمُدَبَّرِ مِنْ جَدِيدٍ وَقَدِيمٍ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَعَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ سَمِعَا «جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: دَبَّرَ رَجُلٌ مِنَّا غُلَامًا لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي؟ فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ» فَقَالَ عَمْرٌو: سَمِعْت جَابِرًا يَقُولُ: عَبْدٌ قِبْطِيٌّ مَاتَ عَامَ أَوَّلَ فِي إمَارَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ زَادَ أَبُو الزُّبَيْرِ يُقَالُ لَهُ: يَعْقُوبُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَبَاعَتْ عَائِشَةُ مُدَبَّرَةً لَهَا سَحَرَتْهَا. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: الْمُدَبَّرُ مِنْ الثُّلُثِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ الْمُدَبَّرُ وَصِيَّةٌ يَرْجِعُ فِيهِ صَاحِبُهُ مَتَى شَاءَ وَبَاعَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مُدَبَّرًا فِي دَيْنِ صَاحِبِهِ وَقَالَ طَاوُسٌ: يَعُودُ الرَّجُلُ فِي مُدَبَّرِهِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ مُدَبَّرٌ أَوْ أَنْتَ عَتِيقٌ أَوْ مُحَرَّرٌ أَوْ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ مَتَى مِتّ أَوْ مَتَى دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي - فَدَخَلَ فَهَذَا كُلُّهُ تَدْبِيرٌ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ وَلَا يُعْتَقُ فِي مَالِ غَائِبٍ حَتَّى يَحْضُرَ. وَلَوْ قَالَ: إنْ شِئْت فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي؛ فَدَخَلَ فَهَذَا كُلُّهُ تَدْبِيرٌ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ وَلَا يُعْتَقُ فِي مَالِ غَائِبٍ حَتَّى يَحْضُرَ وَلَوْ قَالَ: إنْ شِئْت فَأَنْتَ حُرٌّ مَتَى مِتّ فَشَاءَ فَهُوَ مُدَبَّرٌ، وَلَوْ قَالَ: إذَا مِتّ فَشِئْت فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ إذَا مِتّ إنْ شِئْت فَسَوَاءٌ قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ أَوْ أَخَّرَهَا لَا يَكُونُ حُرًّا إلَّا أَنْ يَشَاءَ.

وَلَوْ قَالَ شَرِيكَانِ فِي عَبْدٍ: مَتَى مُتْنَا فَأَنْتَ حُرٌّ؛ لَمْ يُعْتَقْ إلَّا بِمَوْتِ الْآخَرِ مِنْهُمَا.

وَلَوْ قَالَ سَيِّدُ الْمُدَبَّرِ: قَدْ رَجَعْت فِي تَدْبِيرِك أَوْ نَقَضْته أَوْ أَبْطَلْته؛ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَقْضًا لِلتَّدْبِيرِ حَتَّى يُخْرِجَهُ مِنْ مِلْكِهِ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إنْ قَالَ: إنْ أَدَّى بَعْدَ مَوْتِي كَذَا فَهُوَ حُرٌّ، أَوْ وَهَبَهُ هِبَةَ بَتَاتٍ قَبَضَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ وَرَجَعَ؛ فَهَذَا رُجُوعٌ فِي التَّدْبِيرِ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) هَذَا رُجُوعٌ فِي التَّدْبِيرِ بِغَيْرِ إخْرَاجٍ لَهُ مِنْ مِلْكِهِ وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي الْكِتَابِ الْجَدِيدِ وَقَالَ فِي الْكِتَابِ الْقَدِيمِ: لَوْ قَالَ: قَدْ رَجَعْت فِي تَدْبِيرِك أَوْ فِي رُبُعِك أَوْ فِي نِصْفِك كَانَ مَا رَجَعَ عَنْهُ رُجُوعًا فِي التَّدْبِيرِ وَمَا لَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ مُدَبَّرًا بِحَالِهِ.

(وَقَالَ الْمُزَنِيّ) وَهَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ بِأَصْلِهِ

<<  <   >  >>