يَقْضِيَ الْوِتْرَ؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا إلَى الْفَجْرِ أَقْرَبُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ فَلْيُوتِرْ» فَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ الْوَقْتِ وَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَهُ وَفِي ذَلِكَ إبْطَالُ مَا اعْتَلَلْتُمْ بِهِ.
بَابُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ وَقِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): الْفَرْضُ خَمْسٌ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ «لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْأَعْرَابِيِّ حِينَ قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ لَا إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَالتَّطَوُّعُ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا صَلَاةُ جَمَاعَةٍ مُؤَكَّدَةٍ فَلَا أُجِيزُ تَرْكَهَا لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا وَهِيَ صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ وَكُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَصَلَاةِ مُنْفَرِدٍ وَبَعْضُهَا أَوْكَدُ مِنْ بَعْضٍ فَأَوْكَدُ ذَلِكَ الْوِتْرُ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ صَلَاةَ التَّهَجُّدِ، ثُمَّ رَكْعَتَا الْفَجْرِ وَلَا أُرَخِّصُ لِمُسْلِمٍ فِي تَرْكِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَلَا أُوجِبُهُمَا، وَمَنْ تَرَكَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا أَسْوَأُ حَالًا مِمَّنْ تَرَكَ جَمِيعَ النَّوَافِلِ (قَالَ): وَإِنْ فَاتَهُ الْوِتْرُ حَتَّى يُصَلِّيَ الصُّبْحَ لَمْ يَقْضِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الْوِتْرُ فِيمَا بَيْنَ الْعِشَاءِ وَالْفَجْرِ (قَالَ): فَإِنْ فَاتَتْهُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ حَتَّى تُقَامَ الظُّهْرُ لَمْ يَقْضِ؛ لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ " إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ " وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى» وَفِي ذَلِكَ دَلَالَتَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّوَافِلَ مَثْنَى مَثْنَى بِسَلَامٍ مَقْطُوعَةً وَالْمَكْتُوبَةَ مَوْصُولَةٌ، وَالْأُخْرَى أَنَّ الْوِتْرَ وَاحِدَةٌ فَيُصَلِّي النَّافِلَةَ مَثْنَى مَثْنَى قَائِمًا وَقَاعِدًا إذَا كَانَ مُقِيمًا، وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا فَحَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ دَابَّتُهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الْوِتْرَ عَلَى رَاحِلَتِهِ أَيْنَمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ.
(قَالَ): فَأَمَّا قِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَصَلَاةُ الْمُنْفَرِدِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْهُ وَرَأَيْتهمْ بِالْمَدِينَةِ يَقُومُونَ بِتِسْعٍ وَثَلَاثِينَ وَأَحَبُّ إلَيَّ عِشْرُونَ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَكَذَلِكَ يَقُومُونَ بِمَكَّةَ وَيُوتِرُونَ بِثَلَاثٍ (قَالَ):: وَلَا يُقْنَتُ فِي رَمَضَانَ إلَّا فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ، وَكَذَلِكَ كَانَ يَفْعَلُ ابْنُ عُمَرَ وَمُعَاذٌ الْقَارِي (قَالَ): وَآخِرُ اللَّيْلِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَوَّلِهِ، فَإِنْ جَزَّأَ اللَّيْلَ أَثْلَاثًا فَالْأَوْسَطُ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقُومَهُ (قَالَ الْمُزَنِيّ): قُلْت أَنَا فِي كِتَابِ اخْتِلَافِهِ وَمَالِكِ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ أَيَجُوزُ أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ لَيْسَ قَبْلَهَا شَيْءٌ؟ قَالَ نَعَمْ وَاَلَّذِي أَخْتَارُهُ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ وَالْحُجَّةُ فِي الْوِتْرِ بِوَاحِدَةٍ السُّنَّةُ وَالْآثَارُ. رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى» وَعَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ» وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُسَلِّمُ بَيْنَ الرَّكْعَةِ وَالرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الْوِتْرِ حَتَّى يَأْمُرَ بِبَعْضِ حَاجَتِهِ وَأَنَّ عُثْمَانَ كَانَ يُحْيِي اللَّيْلَ بِرَكْعَةٍ هِيَ وِتْرُهُ وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ كَانَ يُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ وَأَنَّ مُعَاوِيَةَ أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَصَابَ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْت أَنَا فَهَذَا بِهِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ وَقَدْ أَنْكَرَ عَلَى مَالِكٍ قَوْلَهُ: لَا يُحِبُّ أَنْ يُوتِرَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ وَيُسَلِّمُ بَيْنَ الرَّكْعَةِ وَالرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الْوِتْرِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ مَنْ سَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ فَقَدْ فَصَلَهُمَا مِمَّا بَعْدَهُمَا وَأَنْكَرَ عَلَى الْكُوفِيِّ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ كَالْمَغْرِبِ فَالْوِتْرُ بِوَاحِدَةٍ أَوْلَى بِهِ (قَالَ الْمُزَنِيّ): وَلَا أَعْلَمُ الشَّافِعِيَّ ذَكَرَ مَوْضِعَ الْقُنُوتِ مِنْ الْوِتْرِ وَيُشْبِهُ قَوْلَهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ كَمَا قَالَ فِي قُنُوتِ الصُّبْحِ وَلَمَّا كَانَ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَهُوَ دُعَاءٌ كَانَ هَذَا الْمَوْضِعُ بِالْقُنُوتِ الَّذِي هُوَ دُعَاءٌ أَشْبَهَ؛ وَلِأَنَّ مَنْ قَالَ يَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ يَأْمُرُهُ أَنْ يُكَبِّرَ قَائِمًا، ثُمَّ يَدْعُو وَإِنَّمَا حُكْمُ مَنْ كَبَّرَ بَعْدَ الْقِيَامِ إنَّمَا هُوَ لِلرُّكُوعِ فَهَذِهِ تَكْبِيرَةٌ زَائِدَةٌ فِي الصَّلَاةِ لَمْ تَثْبُتْ بِأَصْلٍ وَلَا قِيَاسٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute