بَابُ مَا يَكُونُ إحْيَاءً.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْإِحْيَاءُ مَا عَرَفَهُ النَّاسُ إحْيَاءً لِمِثْلِ الْمُحْيَا إنْ كَانَ مَسْكَنًا فَبِأَنْ يَبْنِيَ بِمِثْلِ مَا يَكُونُ مِثْلُهُ بِنَاءً، وَإِنْ كَانَ لِلدَّوَابِّ فَبِأَنْ يَبْنِيَ مُحْظِرَةً وَأَقَلُّ عِمَارَةِ الزَّرْعِ الَّتِي تُمْلَكُ بِهَا الْأَرْضُ أَنْ يَجْمَعَ تُرَابًا يُحِيطُ بِهَا تَتَبَيَّنُ بِهِ الْأَرْضُ مِنْ غَيْرِهَا، وَيَجْمَعُ حَرْثَهَا وَزَرْعَهَا، وَإِنْ كَانَ لَهُ عَيْنُ مَاءٍ أَوْ بِئْرٌ حَفَرَهَا أَوْ سَاقَهُ مِنْ نَهْرٍ إلَيْهَا فَقَدْ أَحْيَاهَا وَلَهُ مَرَافِقُهَا الَّتِي لَا يَكُونُ صَلَاحُهَا إلَّا بِهَا، وَمَنْ أَقْطَعَ أَرْضًا أَوْ تَحَجَّرَهَا فَلَمْ يُعَمِّرْهَا رَأَيْت لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَقُولَ لَهُ إنْ أَحْيَيْتهَا، وَإِلَّا خَلَّيْنَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَنْ يُحْيِيهَا فَإِنْ تَأَجَّلَهُ رَأَيْت أَنْ يَفْعَلَ.
مَا يَجُوزُ أَنْ يُقْطَعَ، وَمَا لَا يَجُوزُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا لَا يَمْلِكُهُ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ يُعْرَفُ صِنْفَانِ أَحَدُهُمَا مَا مَضَى، وَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِمَا يَسْتَحْدِثُهُ فِيهِ وَالثَّانِي مَا لَا تُطْلَبُ الْمَنْفَعَةُ فِيهِ إلَّا بِشَيْءٍ يَجْعَلُ فِيهِ غَيْرَهُ وَذَلِكَ الْمَعَادِنُ الظَّاهِرَةُ وَالْبَاطِنَةُ مِنْ الذَّهَبِ وَالتِّبْرِ وَالْكُحْلِ وَالْكِبْرِيتِ وَالْمِلْحِ وَغَيْرِهِ، وَأَصْلُ الْمَعَادِنِ صِنْفَانِ مَا كَانَ ظَاهِرًا كَالْمِلْحِ فِي الْجِبَالِ تَنْتَابُهُ النَّاسُ فَهَذَا لَا يَصْلُحُ لِأَحَدٍ أَنْ يُقْطِعَهُ بِحَالٍ وَالنَّاسُ فِيهِ شَرَعٌ، وَهَكَذَا النَّهْرُ وَالْمَاءُ الظَّاهِرُ وَالنَّبَاتُ فِيمَا لَا يُمْلَكُ لِأَحَدٍ «، وَقَدْ سَأَلَ الْأَبْيَضُ بْنُ حَمَّالٍ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقْطَعَهُ مِلْحَ مَأْرِبَ فَأَقْطَعَهُ إيَّاهُ أَوْ أَرَادَهُ فَقِيلَ لَهُ إنَّهُ كَالْمَاءِ الْعِدِّ فَقَالَ فَلَا إذَنْ» قَالَ، وَمِثْلُ هَذَا كُلُّ عَيْنٍ ظَاهِرَةٍ كَنِفْطٍ أَوْ قِيرٍ أَوْ كِبْرِيتٍ أَوْ مُومِيًا أَوْ حِجَارَةٍ ظَاهِرَةٍ فِي غَيْرِ مِلْكِ أَحَدٍ فَهُوَ كَالْمَاءِ وَالْكَلَإِ وَالنَّاسُ فِيهِ سَوَاءٌ وَلَوْ كَانَتْ بُقْعَةٌ مِنْ السَّاحِلِ يَرَى أَنَّهُ إنْ حَفَرَ تُرَابًا مِنْ أَعْلَاهَا ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهَا مَاءٌ ظَهَرَ لَهَا مِلْحٌ كَانَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُقْطِعَهَا وَلِلرَّجُلِ أَنْ يُعَمِّرَهَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَيَمْلِكَهَا.
بَابُ تَفْرِيعِ الْقَطَائِعِ وَغَيْرِهَا (قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْقَطَائِعُ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا مَا مَضَى: وَالثَّانِي إقْطَاعُ إرْفَاقٍ لَا تَمْلِيكٍ مِثْلَ الْمَقَاعِدِ بِالْأَسْوَاقِ الَّتِي هِيَ طَرِيقُ الْمُسْلِمِينَ فَمَنْ قَعَدَ فِي مَوْضِعٍ مِنْهَا لِلْبَيْعِ كَانَ بِقَدْرِ مَا يَصْلُحُ لَهُ مِنْهَا مَا كَانَ مُقِيمًا فِيهِ فَإِذَا فَارَقَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ غَيْرِهِ كَأَفْنِيَةِ الْعَرَبِ وَفَسَاطِيطِهِمْ فَإِذَا انْتَجَعُوا لَمْ يَمْلِكُوا بِهَا حَيْثُ تَرَكُوا.
إقْطَاعُ الْمَعَادِنِ وَغَيْرِهَا
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي إقْطَاعِ الْمَعَادِنِ قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُخَالِفُ إقْطَاعَ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَقْطَعَ أَرْضًا فِيهَا مَعَادِنُ أَوْ عَمِلَهَا وَلَيْسَتْ لِأَحَدٍ سَوَاءٌ كَانَتْ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً أَوْ نُحَاسًا أَوْ مَا لَا يَخْلُصُ إلَّا بِمُؤْنَةٍ؛ لِأَنَّهُ بَاطِنٌ مُسْتَكِنٌّ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ تُرَابٍ أَوْ حِجَارَةٍ كَانَتْ هَذِهِ كَالْمَوَاتِ فِي أَنَّ لَهُ أَنْ يُقْطِعَهُ إيَّاهَا، وَمُخَالِفَةٌ لِلْمَوَاتِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَإِنَّ الْمَوَاتَ إذَا أُحْيِيَتْ مَرَّةً ثَبَتَ إحْيَاؤُهَا وَهَذِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ يُبْتَدَأُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute