للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ وَسُجُودِ الشُّكْرِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَمَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ أَثْلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، وَكَذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا فَرَغَ مِنْ التَّشَهُّدِ سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِحَدِيثِ ابْنِ بُحَيْنَةَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ سَجَدَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ» (قَالَ): وَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ فِي الْخَامِسَةِ سَجَدَ، أَوْ لَمْ يَسْجُدْ قَعَدَ فِي الرَّابِعَةِ، أَوْ لَمْ يَقْعُدْ فَإِنَّهُ يَجْلِسُ لِلرَّابِعَةِ وَيَتَشَهَّدُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ.

فَإِنْ نَسِيَ الْجُلُوسَ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَذَكَرَ فِي ارْتِفَاعِهِ وَقَبْلَ انْتِصَابِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْجُلُوسِ، ثُمَّ يَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ اعْتِدَالِهِ فَإِنَّهُ يَمْضِي وَإِنْ جَلَسَ فِي الْأُولَى فَذَكَرَ قَامَ وَبَنَى وَعَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ وَإِنْ ذَكَرَ فِي الثَّانِيَةِ أَنَّهُ نَاسٍ لِسَجْدَةٍ مِنْ أُولَى بَعْدَمَا اعْتَدَلَ قَائِمًا فَلْيَسْجُدْ لِلْأُولَى حَتَّى تَتِمَّ قَبْلَ الثَّانِيَةِ وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ الْأُولَى، فَإِنَّ عَمَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ كَلَا عَمَلٍ فَإِذَا سَجَدَ فِيهَا كَانَتْ مِنْ حُكْمِ الْأُولَى وَتَمَّتْ الْأُولَى بِهَذِهِ السَّجْدَةِ وَسَقَطَتْ الثَّانِيَةُ.

وَإِنْ ذَكَرَ فِي الرَّابِعَةِ أَنَّهُ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ كُلِّ رَكْعَةٍ فَإِنَّ الْأُولَى صَحِيحَةٌ إلَّا سَجْدَةً وَعَمَلُهُ فِي الثَّانِيَةِ كَلَا عَمَلٍ فَلَمَّا سَجَدَ فِيهَا سَجْدَةً كَانَتْ مِنْ حُكْمِ الْأُولَى وَتَمَّتْ الْأُولَى وَبَطَلَتْ الثَّانِيَةُ وَكَانَتْ الثَّالِثَةُ ثَانِيَةً فَلَمَّا قَامَ فِي ثَالِثَةٍ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الثَّانِيَةَ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ ثَالِثَةً كَانَ عَمَلُهُ كَلَا عَمَلٍ فَلَمَّا سَجَدَ فِيهَا سَجْدَةً كَانَتْ مِنْ حُكْمِ الثَّانِيَةِ فَتَمَّتْ الثَّانِيَةُ وَبَطَلَتْ الثَّالِثَةُ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ رَابِعَةً ثُمَّ يَقُومُ فَيَأْتِي بِرَكْعَتَيْنِ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَقَبْلَ السَّلَامِ، وَعَلَى هَذَا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ.

(قَالَ): وَإِنْ شَكَّ هَلْ سَهَا أَمْ لَا؟ فَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ وَإِنْ اسْتَيْقَنَ السَّهْوَ، ثُمَّ شَكَّ هَلْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ أَمْ لَا؟ سَجَدَهُمَا وَإِنْ شَكَّ هَلْ سَجَدَ سَجْدَةً أَوَسَجْدَتَيْنِ سَجَدَ أُخْرَى وَإِنْ سَهَا سَهْوَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا سَجْدَتَا السَّهْوِ وَمَا سَهَا عَنْهُ مِنْ تَكْبِيرٍ سِوَى تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ، أَوْ ذِكْرٍ فِي رُكُوعٍ، أَوْ فِي سُجُودٍ، أَوْ جَهَرَ فِيمَا يُسِرُّ بِالْقِرَاءَةِ، أَوْ أَسَرَّ فِيمَا يَجْهَرُ فَلَا سُجُودَ لِلسَّهْوِ إلَّا فِي عَمَلِ الْبَدَنِ.

وَإِنْ ذَكَرَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ بَعْدَ أَنْ سَلَّمَ فَإِنْ ذَكَرَ قَرِيبًا أَعَادَهُمَا وَسَلَّمَ وَإِنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ لَمْ يُعِدْ.

وَمَنْ سَهَا خَلْفَ إمَامِهِ فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ وَإِنْ سَهَا إمَامُهُ سَجَدَ مَعَهُ، فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ إمَامُهُ سَجَدَ مِنْ خَلْفِهِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ سَبَقَهُ إمَامُهُ بِبَعْضِ صَلَاتِهِ سَجَدَهُمَا بَعْدَ الْقَضَاءِ اتِّبَاعًا لِإِمَامِهِ لَا لِمَا يَبْقَى مِنْ صَلَاتِهِ (قَالَ الْمُزَنِيّ): الْقِيَاسُ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّهُ إنَّمَا أَسْجُدُ مَعَهُ مَا لَيْسَ مِنْ فَرْضِي فِيمَا أَدْرَكْت مَعَهُ اتِّبَاعًا لِفِعْلِهِ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ سَقَطَ عَنِّي اتِّبَاعُهُ وَكُلٌّ يُصَلِّي عَنْ نَفْسِهِ (قَالَ الْمُزَنِيّ): سَمِعْت الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ إذَا كَانَتْ سَجْدَتَا السَّهْوِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ تَشَهَّدَ لَهُمَا وَإِذَا كَانَتَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَجْزَأَهُ التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِذَا تَكَلَّمَ عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ تَكَلَّمَ سَاهِيًا بَنَى وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ؛ لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَوَى «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ سَاهِيًا فَبَنَى» وَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى مَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ مِنْ نَهْيِهِ عَنْ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ بِمَكَّةَ لَمَّا قَدِمَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَذَلِكَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَأَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْعَمْدِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَأُحِبُّ سُجُودَ الشُّكْرِ وَيَسْجُدُ الرَّاكِبُ إيمَاءً وَالْمَاشِي عَلَى الْأَرْضِ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إذَا كَبَّرَ وَلَا يَسْجُدُ إلَّا طَاهِرًا (قَالَ الْمُزَنِيّ): وَرُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ رَأَى نُغَاشًا فَسَجَدَ شُكْرًا لِلَّهِ» وَسَجَدَ أَبُو بَكْرٍ حِينَ بَلَغَهُ فَتْحُ الْيَمَامَةِ شُكْرًا.

(قَالَ الْمُزَنِيّ): النُّغَاشُ النَّاقِصُ الْخَلْقِ. .

<<  <   >  >>