كِتَابُ الْقَتْلِ
بَابُ تَحْرِيمِ الْقَتْلِ وَمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَمَنْ لَا يَجِبُ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} الْآيَةَ وَقَالَ تَعَالَى {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ} وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ كُفْرٌ بَعْدَ إيمَانٍ أَوْ زِنًا بَعْدَ إحْصَانٍ أَوْ قَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ».
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا تَكَافَأَ الدَّمَانِ مِنْ الْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ الْعَبِيدِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ الْأَحْرَارِ مِنْ الْمُعَاهَدِينَ أَوْ الْعَبِيدِ مِنْهُمْ قُتِلَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مُكَافِئٍ دَمُهُ مِنْهُمْ الذَّكَرُ إذَا قَتَلَ بِالذَّكَرِ وَبِالْأُنْثَى، وَالْأُنْثَى إذَا قَتَلَتْ بِالْأُنْثَى وَبِالذَّكَرِ.
وَلَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَإِنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِالْمُسْتَأْمَنِ وَهُوَ فِي التَّحْرِيمِ مِثْلُ الْمُعَاهَدِ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِذَا لَمْ يُقْتَلْ بِأَحَدِ الْكَافِرِينَ الْمُحَرَّمِينَ لَمْ يُقْتَلْ بِالْآخَرِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ قَائِلٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ حَرْبِيٍّ، فَهَلْ مِنْ بَيَانٍ فِي مِثْلِ هَذَا يَثْبُتُ؟ قُلْت: نَعَمْ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَرِثُ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُؤْمِنَ» فَهَلْ تَزْعُمُ أَنَّهُ أَرَادَ أَهْلَ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ حَلَالٌ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنَّهَا عَلَى جَمِيعِ الْكَافِرِينَ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْكُفْرِ يَلْزَمُهُمْ. قُلْنَا: وَكَذَلِكَ لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْكُفْرِ يَلْزَمُهُمْ فَمَا الْفَرْقُ؟ قَالَ قَائِلٌ: رَوَيْنَا حَدِيثَ ابْنِ السَّلْمَانِيِّ قُلْنَا: مُنْقَطِعٌ وَخَطَأٌ إنَّمَا رُوِيَ فِيمَا بَلَغَنَا «أَنَّ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ قَتَلَ كَافِرًا كَانَ لَهُ عَهْدٌ إلَى مُدَّةٍ وَكَانَ الْمَقْتُولُ رَسُولًا فَقَتَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ» فَلَوْ كَانَ ثَابِتًا كُنْت قَدْ خَالَفْته وَكَانَ مَنْسُوخًا؛ لِأَنَّهُ قُتِلَ قَبْلَ الْفَتْحِ بِزَمَانٍ، وَخُطْبَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ» عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ خَطَأٌ؛ لِأَنَّ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ عَاشَ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَهْرًا وَأَنْتَ تَأْخُذُ الْعِلْمَ مِمَّنْ بَعْدُ لَيْسَ لَك بِهِ مَعْرِفَةُ أَصْحَابِنَا.
(قَالَ): وَلَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِعَبْدٍ وَفِيهِ قِيمَتُهُ، وَإِنْ بَلَغَتْ دِيَاتٍ (قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَفِي إجْمَاعِهِمْ أَنَّ يَدَهُ لَا تُقْطَعُ بِيَدِ الْعَبْدِ قَضَاءً عَلَى أَنَّ الْحُرَّ لَا يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ فَإِذَا مَنَعَ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْ يَدِهِ وَهِيَ أَقَلُّ لِفَضْلِ الْحُرِّيَّةِ عَلَى الْعُبُودِيَّةِ كَانَتْ النَّفْسُ أَعْظَمَ وَهِيَ أَنْ تُقَصَّ بِنَفْسِ الْعَبْدِ أَبْعَدُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يُقْتَلُ وَالِدٌ بِوَلَدٍ؛ لِأَنَّهُ إجْمَاعٌ وَلَا جَدُّ مِنْ قِبَلِ أُمٍّ وَلَا أَبٌ بِوَلَدِ وَلَدٍ، وَإِنْ بَعُدَ؛ لِأَنَّهُ وَالِدٌ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا يُؤَكِّدُ مِيرَاثَ الْجَدِّ؛ لِأَنَّ الْأَخَ يُقْتَلُ بِأَخِيهِ وَلَا يُقْتَلُ الْجَدُّ بِابْنِ ابْنِهِ وَيَمْلِكُ الْأَخُ أَخَاهُ فِي قَوْلِهِ وَلَا يَمْلِكُ جَدَّهُ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجَدَّ كَالْأَبِ فِي حَجْبِ الْإِخْوَةِ وَلَيْسَ كَالْأَخِ.
(قَالَ): وَيُقْتَلُ الْعَبْدُ وَالْكَافِرُ بِالْحُرِّ الْمُسْلِمِ وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ وَمَنْ جَرَى عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ جَرَى عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي الْجِرَاحِ.
وَيُقْتَلُ الْعَدَدُ بِالْوَاحِدِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَتَلَ خَمْسَةً أَوْ سَبْعَةً بِرَجُلٍ قَتَلُوهُ غِيلَةً، وَقَالَ: لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ جَمِيعًا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ جَرَحَهُ أَحَدُهُمَا مِائَةَ جُرْحٍ وَالْآخَرُ جُرْحًا وَاحِدًا فَمَاتَ كَانُوا فِي الْقَوْدِ سَوَاءً، وَيُجْرَحُونَ بِالْجُرْحِ الْوَاحِدِ إذَا كَانَ جُرْحُهُمْ إيَّاهُ مَعًا لَا يَتَجَزَّأُ.
وَلَا يُقْتَصُّ إلَّا مِنْ بَالِغٍ وَهُوَ مَنْ احْتَلَمَ مِنْ الذُّكُورِ أَوْ حَاضَ مِنْ النِّسَاءِ أَوْ بَلَغَ أَيُّهُمَا كَانَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً