للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كِتَابُ السَّبْقِ وَالرَّمْيِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ أَبِي نَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا سَبَقَ إلَّا فِي نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ».

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْخُفُّ الْإِبِلُ وَالْحَافِرُ الْخَيْلُ وَالنَّصْلُ كُلُّ نَصْلٍ مِنْ سَهْمٍ أَوْ نُشَّابَةٍ وَالْأَسْبَاقُ ثَلَاثَةٌ سَبَقٌ يُعْطِيهِ الْوَالِي أَوْ غَيْرُ الْوَالِي مِنْ مَالِهِ وَذَلِكَ أَنْ يُسَبِّقَ بَيْنَ الْخَيْلِ إلَى غَايَةٍ فَيَجْعَلَ لِلسَّابِقِ شَيْئًا مَعْلُومًا وَإِنْ شَاءَ جَعَلَ لِلْمُصَلِّي وَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ فَهَذَا حَلَالٌ لِمَنْ جُعِلَ لَهُ لَيْسَتْ فِيهِ عِلَّةٌ، وَالثَّانِي يَجْمَعُ وَجْهَيْنِ وَذَلِكَ مِثْلُ الرَّجُلَيْنِ يُرِيدَانِ أَنْ يَسْتَبِقَا بِفَرَسَيْهِمَا وَلَا يُرِيدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَسْبِقَ صَاحِبَهُ وَيُخْرِجَانِ سَبَقَيْنِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِالْمُحَلِّلِ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُمَا فَرَسًا وَلَا يَجُوزُ حَتَّى يَكُونَ فَرَسًا كُفْئًا لِلْفَرَسَيْنِ لَا يَأْمَنَانِ أَنْ يَسْبِقَهُمَا وَيُخْرِجُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ يَتَوَاضَعَانِهِ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ يَثِقَانِ بِهِ أَوْ يَضْمَنَانِهِ وَيَجْرِي بَيْنَهُمَا الْمُحَلِّلُ فَإِنْ سَبَقَهُمَا كَانَ السَّبَقَانِ لَهُ، وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا الْمُحَلِّلَ أَحْرَزَ السَّابِقُ مَالَهُ وَأَخَذَ سَبَقَ صَاحِبِهِ وَإِنْ أَتَيَا مُسْتَوِيَيْنِ لَمْ يَأْخُذْ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ شَيْئًا وَالسَّبَقُ أَنْ يَسْبِقَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ وَأَقَلُّ السَّبَقِ أَنْ يَسْبِقَ بِالْهَادِي أَوْ بَعْضِهِ أَوْ الْكَتِدِ أَوْ بَعْضِهِ وَسَوَاءٌ لَوْ كَانُوا مِائَةً وَأَدْخَلُوا بَيْنَهُمْ مُحَلِّلًا فَكَذَلِكَ وَالثَّالِثُ أَنْ يَسْبِقَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَإِنْ سَبَقَهُ صَاحِبُهُ أَخَذَ السَّبَقَ وَإِنْ سَبَقَ صَاحِبَهُ أَحْرَزَ سَبَقَهُ.

وَلَا يَجُوزُ السَّبَقُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْغَايَةُ الَّتِي يَخْرُجَانِ مِنْهَا وَيَنْتَهِيَانِ إلَيْهَا وَاحِدَةً وَالنِّضَالُ فِيمَا بَيْنَ الرُّمَاةِ كَذَلِكَ فِي السَّبَقِ وَالْعِلَلِ يَجُوزُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَجُوزُ فِي الْآخَرِ ثُمَّ يَتَفَرَّعَانِ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ عِلَلُهُمَا، وَاخْتَلَفَا فَإِذَا سَبَقَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ وَجَعَلَا بَيْنَهَا قَرَعًا مَعْلُومًا فَجَائِزٌ أَنْ يَشْتَرِطَا مُحَاطَّةٌ أَوْ مُبَادَرَةً فَإِنْ اشْتَرَطَا مُحَاطَّةٌ فَكُلَّمَا أَصَابَ أَحَدُهُمَا وَأَصَابَ الْآخَرُ بِمِثْلِهِ أَسْقَطَا الْعَدَدَيْنِ وَلَا شَيْءَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَسْتَأْنِفَانِ.

وَإِنْ أَصَابَ أَقَلَّ مِنْ صَاحِبِهِ حَطَّ مِثْلَهُ حَتَّى يَخْلُصَ لَهُ فَضْلُ الْعَدَدِ الَّذِي شَرَطَ فَيَنْضُلَهُ بِهِ وَيَسْتَحِقَّ سَبَقَهُ يَكُونُ مِلْكًا لَهُ يُقْضَى بِهِ عَلَيْهِ كَالدَّيْنِ يَلْزَمُهُ إنْ شَاءَ أَطْعَمَ أَصْحَابَهُ وَإِنْ شَاءَ تَمَوَّلَهُ، وَإِنْ أَخَذَ بِهِ رَهْنًا أَوْ ضَمِينًا فَجَائِزٌ وَلَا يَجُوزُ السَّبَقُ إلَّا مَعْلُومًا كَمَا لَا يَجُوزُ فِي الْبُيُوعِ.

وَلَوْ اشْتَرَطَ أَنْ يُطْعِمَ أَصْحَابَهُ كَانَ فَاسِدًا وَقَدْ رَأَيْت مِنْ الرُّمَاةِ مَنْ يَقُولُ: صَاحِبُ السَّبَقِ أَوْلَى أَنْ يَبْدَأَ وَالْمُسَبِّقُ لَهُمَا يُبْدِئُ أَيَّهُمَا شَاءَ وَلَا يَجُوزُ فِي الْقِيَاسِ عِنْدِي إلَّا أَنْ يَتَشَارَطَا وَأَيُّهُمَا بَدَأَ مِنْ وَجْهٍ بَدَأَ صَاحِبُهُ مِنْ الْآخَرِ وَيَرْمِي الْبَادِئُ بِسَهْمٍ ثُمَّ الْآخَرُ بِسَهْمٍ حَتَّى يُنْفِدَا نَبْلَهُمَا، وَإِذَا عَرِقَ أَحَدُهُمَا وَخَرَجَ السَّهْمُ مِنْ يَدَيْهِ فَلَمْ يَبْلُغْ الْغَرَضَ كَانَ لَهُ أَنْ يَعُودَ بِهِ مِنْ قِبَلِ الْعَارِضِ.

وَكَذَلِكَ لَوْ انْقَطَعَ وَتَرُهُ أَوْ انْكَسَرَتْ قَوْسُهُ فَلَمْ يَبْلُغْ الْغَرَضَ أَوْ عَرَضَ دُونَهُ دَابَّةٌ أَوْ إنْسَانٌ فَأَصَابَهُ أَوْ عَرَضَ لَهُ فِي يَدَيْهِ مَا لَا يَمُرُّ السَّهْمُ مَعَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَعُودَ فَأَمَّا إنْ جَازَ السَّهْمُ أَوْ أَجَازَ مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ فَهَذَا سُوءُ رَمْيٍ لَيْسَ بِعَارِضٍ غُلِبَ عَلَيْهِ فَلَا يُرَدُّ إلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ رَمْيُهُمَا مُبَادَرَةً فَبَلَغَ تِسْعَةَ عَشَرَ مِنْ عِشْرِينَ رَمَى صَاحِبُهُ بِالسَّهْمِ الَّذِي يُرَاسِلُهُ ثُمَّ رَمَى الْبَادِئُ فَإِنْ أَصَابَ سَهْمَهُ ذَلِكَ فَلَجَّ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَرْمِ الْآخَرُ بِالسَّهْمِ؛ لِأَنَّ الْمُبَادَرَةَ أَنْ يُفَوِّتَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَلَيْسَ كَالْمُحَاطَةِ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا عِنْدِي غَلَطٌ لَا يَنْضُلُهُ حَتَّى يَرْمِيَ صَاحِبُهُ بِمِثْلِهِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِذَا تَشَارَطَا الخواسق لَمْ يُحْسَبْ خَاسِقًا حَتَّى يَخْزِقَ الْجِلْدَ بِنَصْلِهِ وَلَوْ تَشَارَطَا الْمُصِيبَ فَمَنْ أَصَابَ الشَّنَّ وَلَمْ يَخْرِقْهُ حُسِبَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُصِيبٌ وَإِذَا اشْتَرَطَا الخواسق وَالشَّنُّ مُلْصَقٌ بِالْهَدَفِ فَأَصَابَ ثُمَّ رَجَعَ فَزَعَمَ الرَّامِي أَنَّهُ خَسَقَ ثُمَّ رَجَعَ لِغِلَظٍ لَقِيَهُ مِنْ حَصَاةٍ وَغَيْرِهَا وَزَعَمَ الْمُصَابُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَخْسِقْ وَأَنَّهُ إنَّمَا قَرَعَ ثُمَّ رَجَعَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ تَقُومَ

<<  <   >  >>