للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَأَصَحُّ لِقَوْلِهِ: إذَا كَانَ الْمُدَبَّرُ وَصِيَّةً فَلِمَ لَا يَرْجِعُ فِي الْوَصِيَّةِ وَلَوْ جَازَ لَهُ أَنْ يُخَالِفَ بَيْنَ ذَلِكَ فَيُبْطِلَ الرُّجُوعَ فِي الْمُدَبَّرِ وَلَا يُبْطِلَهُ فِي الْوَصِيَّةِ لِمَعْنًى اخْتَلَفَا فِيهِ جَازَ بِذَلِكَ الْمَعْنَى أَنْ يُبْطِلَ بَيْعَ الْمُدَبَّرِ وَلَا يُبْطِلَ فِي الْوَصِيَّةِ فَيَصِيرُ إلَى قَوْلِ مَنْ لَا يَبِيعُ الْمُدَبَّرَ، وَلَوْ جَازَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمُدَبَّرِ وَالْأَيْمَانِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ جَازَ إبْطَالُ عِتْقِ الْمُدَبَّرِ لِمَعْنَى الْحِنْثِ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ لَا يَجِبُ الْحِنْثُ بِهَا عَلَى مَيِّتٍ، وَقَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ بِالرُّجُوعِ فِيهِ كَالْوَصَايَا مُعْتَدِلٌ مُسْتَقِيمٌ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْهُ كَبِيرُ تَعْدِيلٍ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَجِنَايَةُ الْمُدَبَّرِ كَجِنَايَةِ الْعَبْدِ يُبَاعُ مِنْهُ بِقَدْرِ جِنَايَاتِهِ وَالْبَاقِي مُدَبَّرٌ بِحَالِهِ.

وَلَوْ ارْتَدَّ الْمُدَبَّرُ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ أَوْجَبَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ فَأَخَذَهُ سَيِّدُهُ فَهُوَ عَلَى تَدْبِيرِهِ وَلَوْ أَنَّ سَيِّدَهُ ارْتَدَّ فَمَاتَ كَانَ مَالُهُ فَيْئًا وَالْمُدَبَّرُ حُرًّا.

وَلَوْ دَبَّرَهُ مُرْتَدًّا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ يُوقَفُ فَإِنْ رَجَعَ فَهُوَ عَلَى تَدْبِيرِهِ وَإِنْ قُتِلَ فَالتَّدْبِيرُ بَاطِلٌ وَمَالُهُ فَيْءٌ؛ لِأَنَّا عَلِمْنَا أَنَّ رِدَّتَهُ صَيَّرَتْ مَالَهُ فَيْئًا.

وَالثَّانِي: أَنَّ التَّدْبِيرَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ مَالَهُ خَارِجٌ مِنْهُ إلَّا بِأَنْ يَرْجِعَ وَهَذَا أَشْبَهُ الْأَقَاوِيلِ بِأَنْ يَكُونَ صَحِيحًا فِيهِ أَقُولُ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّ التَّدْبِيرَ مَاضٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ عَلَيْهِ مَالَهُ إلَّا بِمَوْتِهِ وَقَالَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ: إنَّهُ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ رَجَعَ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ وَقُتِلَ فَلَا زَكَاةَ وَقَالَ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ: إنَّهُ إنْ كَاتَبَ الزَّكَاةَ إنَّهُ مَوْقُوفٌ فَإِنْ رَجَعَ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ وَقُتِلَ فَلَا زَكَاةَ وَقَالَ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ: إنَّهُ إنْ كَاتَبَ الْمُرْتَدُّ عَبْدَهُ قَبْلَ أَنْ يُوقَفَ مَالُهُ فَالْكِتَابَةُ جَائِزَةٌ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) أَصَحُّهَا عِنْدِي وَأَوْلَاهَا بِهِ أَنَّهُ مَالِكٌ لِمَالِهِ لَا يَمْلِكُ عَلَيْهِ إلَّا بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَجَازَ كِتَابَةَ عَبْدِهِ وَأَجَازَ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ مَالِهِ عَلَى مَنْ يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ نَفَقَتُهُ فَلَوْ كَانَ مَالُهُ خَارِجًا مِنْهُ لَخَرَجَ الْمُدَبَّرُ مَعَ سَائِرِ مَالِهِ وَلَمَّا كَانَ لِوَلَدِهِ وَلِمَنْ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ حَقٌّ فِي مَالِ غَيْرِهِ مَعَ أَنَّ مِلْكَهُ لَهُ بِإِجْمَاعٍ قَبْلَ الرِّدَّةِ فَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ إلَّا بِإِجْمَاعٍ وَهُوَ أَنْ يَمُوتَ.

وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: مَتَى قَدِمَ فُلَانٌ فَأَنْتَ حُرٌّ، فَقَدِمَ وَالسَّيِّدُ صَحِيحٌ أَوْ مَرِيضٌ عَتَقَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَجِنَايَةُ الْمُدَبَّرِ جِنَايَةُ عَبْدٍ.

(قَالَ): وَلَا يَجُوزُ عَلَى التَّدْبِيرِ إذَا جَحَدَ السَّيِّدُ إلَّا عَدْلَانِ.

بَابُ وَطْءِ الْمُدَبَّرَةِ وَحُكْمِ وَلَدِهَا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَيَطَأُ السَّيِّدُ مُدَبَّرَتَهُ وَمَا وَلَدَتْ مِنْ غَيْرِهِ فَفِيهِمْ وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ كِلَاهُمَا لَهُ مَذْهَبٌ أَحَدُهُمَا: أَنَّ وَلَدَ كُلِّ ذَاتِ رَحِمٍ بِمَنْزِلَتِهَا فَإِنْ رَجَعَ فِي تَدْبِيرِ الْأُمِّ حَامِلًا كَانَ لَهُ وَلَمْ يَكُنْ رُجُوعًا فِي تَدْبِيرِ الْوَلَدِ فَإِنْ رَجَعَ فِي تَدْبِيرِ الْوَلَدِ لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا فِي الْأُمِّ فَإِنْ رَجَعَ فِي تَدْبِيرِهَا ثُمَّ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ رَجَعَ فَالْوَلَدُ فِي مَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ مُدَبَّرٌ، وَإِنْ وَضَعَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ مَمْلُوكٌ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) وَهَذَا أَيْضًا رُجُوعٌ فِي التَّدْبِيرِ بِغَيْرِ إخْرَاجٍ مِنْ مِلْكٍ؛ فَتَفَهَّمْهُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ وَلَدَهَا مَمْلُوكُونَ وَذَلِكَ أَنَّهَا أَمَةٌ أَوْصَى بِعِتْقِهَا لِصَاحِبِهَا فِيهَا الرُّجُوعُ فِي عِتْقِهَا وَبَيْعِهَا وَلَيْسَتْ الْوَصِيَّةُ بِحُرِّيَّةٍ ثَابِتَةٍ فَأَوْلَادُهَا مَمْلُوكُونَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ: أَوْلَادُهَا مَمْلُوكُونَ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) هَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ عِنْدِي وَأَشْبَهُهُمَا بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ عِنْدَهُ وَصِيَّةٌ بِعِتْقِهَا كَمَا لَوْ أَوْصَى بِرَقَبَتِهَا لَمْ يَدْخُلْ فِي الْوَصِيَّةِ وَلَدُهَا.

(قَالَ): وَلَوْ قَالَ: إذَا دَخَلْت الدَّارَ بَعْدَ سَنَةٍ فَأَنْتِ حُرَّةٌ، فَدَخَلَتْ أَنَّ وَلَدَهَا لَا يَلْحَقُهَا.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) فَكَذَلِكَ تُعْتَقُ بِالْمَوْتِ وَوَلَدُهَا لَا يَلْحَقُهَا إلَّا أَنْ تُعْتَقَ حَامِلًا فَيُعْتَقُ وَلَدُهَا بِعِتْقِهَا.

(قَالَ): وَلَوْ قَالَتْ: وَلَدْته بَعْدَ التَّدْبِيرِ، وَقَالَ الْوَارِثُ: قَبْلَ التَّدْبِيرِ - فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ وَهِيَ الْمُدَّعِيَةُ.

(قَالَ): وَلَوْ قَالَ الْمُدَبَّرُ: أَفَدْت هَذَا الْمَالَ بَعْدَ الْعِتْقِ وَقَالَ الْوَارِثُ: قَبْلَ الْعِتْقِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُدَبَّرِ وَالْوَارِثُ مُدَّعٍ.

<<  <   >  >>