وَوَلَدُ وَلَدِهِ، وَإِنْ سَفَلُوا؛ لِأَنَّهُمْ وَلَدٌ وَحَقُّ الْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ أَعْظَمُ وَمَنْ أَجْبَرْنَاهُ عَلَى النَّفَقَةِ بِعْنَا فِيهَا الْعَقَارَ وَلَا تُجْبَرُ امْرَأَةٌ عَلَى رَضَاعِ وَلَدِهَا شَرِيفَةً كَانَتْ أَوْ دَنِيئَةً مُوسِرَةً كَانَتْ أَوْ فَقِيرَةً وَأَحْكَامُ اللَّهِ فِيهِمَا وَاحِدَةٌ، وَإِذَا طَلَبَتْ رَضَاعَ وَلَدِهَا وَقَدْ فَارَقَهَا زَوْجُهَا فَهِيَ أَحَقُّ بِمَا وَجَدَ الْأَبُ أَنْ يُرْضِعَ بِهِ فَإِنْ وَجَدَ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَلَيْسَ لِلْأُمِّ أُجْرَةٌ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَبِ مَعَ يَمِينِهِ (وَقَالَ) فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إنْ أَرْضَعَتْ أَعْطَاهَا أَجْرَ مِثْلِهَا.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: هَذَا أَحَبُّ إلَيَّ لِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}
بَابٌ: أَيُّ الْوَالِدَيْنِ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ مِنْ كُتُبٍ عِدَّةٍ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ» وَمَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبَوَيْهِ وَعَنْ عُمَارَةَ الْجَرْمِيِّ قَالَ: خَيَّرَنِي عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَيْنَ أُمِّي وَعَمِّي ثُمَّ قَالَ لِأَخٍ لِي أَصْغَرَ مِنِّي وَهَذَا أَيْضًا لَوْ قَدْ بَلَغَ مَبْلَغَ هَذَا خَيَّرْته وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: وَكُنْت ابْنَ سَبْعِ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِذَا اسْتَكْمَلَ سَبْعَ سِنِينَ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ يَعْقِلُ عَقْلَ مِثْلِهِ خُيِّرَ وَقَالَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ الْقَدِيمِ: إذَا بَلَغَ سَبْعًا أَوْ ثَمَانَ سِنِينَ خُيِّرَ إذَا كَانَتْ دَارُهُمَا وَاحِدَةً وَكَانَا جَمِيعًا مَأْمُونِينَ عَلَى الْوَلَدِ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَيْرَ مَأْمُونٍ فَهُوَ عِنْدَ الْمَأْمُونِ مِنْهُمَا حَتَّى يَبْلُغَ وَإِذَا افْتَرَقَ الْأَبَوَانِ وَهُمَا فِي قَرْيَةٍ وَاحِدَةٍ فَالْأُمُّ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ وَعَلَى أَبِيهِ نَفَقَتُهُ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ تَأْدِيبِهِ وَيَخْرُجُ الْغُلَامُ إلَى الْكُتَّابِ أَوْ الصِّنَاعَةِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِهَا وَيَأْوِي إلَى أُمِّهِ، فَإِنْ اخْتَارَ أَبَاهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ أُمَّهُ وَتَأْتِيهِ فِي الْأَيَّامِ، وَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً لَمْ تُمْنَعْ أُمَّهَا مِنْ أَنْ تَأْتِيَهَا وَلَا أَعْلَمُ عَلَى أَبِيهَا إخْرَاجَهَا إلَيْهَا إلَّا أَنْ تَمْرَضَ فَيُؤْمَرُ بِإِخْرَاجِهَا عَائِدَةً، وَإِنْ مَاتَتْ الْبِنْتُ لَمْ تُمْنَعْ الْأُمُّ مِنْ أَنْ تَلِيَهَا حَتَّى تُدْفَنَ وَلَا تُمْنَعُ فِي مَرَضِهَا مِنْ أَنْ تَلِيَ تَمْرِيضَهَا فِي مَنْزِلِ أَبِيهَا، وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ مَخْبُولًا فَهُوَ كَالصَّغِيرِ فَالْأُمُّ أَحَقُّ بِهِ وَلَا يُخَيَّرُ أَبَدًا وَإِذَا خُيِّرَ فَاخْتَارَ أَحَدَ الْأَبَوَيْنِ ثُمَّ اخْتَارَ الْآخَرَ حُوِّلَ، وَلَوْ مُنِعَتْ مِنْهُ بِالزَّوْجِ فَطَلَّقَهَا طَلَاقًا يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ أَوْ لَا يَمْلِكُهَا رَجَعَتْ عَلَى حَقِّهَا فِي وَلَدِهَا؛ لِأَنَّهَا مَنَعَتْهُ بِوَجْهٍ فَإِذَا ذَهَبَ فَهِيَ كَمَا كَانَتْ فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ تَعُودُ إلَى مَا بَطَلَ بِالنِّكَاحِ؟ قِيلَ: لَوْ كَانَ بَطَلَ مَا كَانَ لِأُمِّهَا أَنْ تَكُونَ أَحَقَّ بِوَلَدِهَا مِنْ أَبِيهِمْ وَكَانَ يَنْبَغِي إذَا بَطَلَ عَنْ الْأُمِّ أَنْ يَبْطُلَ عَنْ الْجَدَّةِ الَّتِي إنَّمَا حَقُّهَا لِحَقِّ الْأُمِّ، وَقَدْ قَضَى أَبُو بَكْرٍ عَلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِأَنَّ جَدَّةَ ابْنِهِ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُ فَإِنْ قِيلَ: فَمَا حَقُّ الْأُمِّ فِيهِمْ؟ قِيلَ: كَحَقِّ الْأَبِ هُمَا وَالِدَانِ يَجِدَانِ بِالْوَلَدِ فَلَمَّا كَانَ لَا يَعْقِلُ كَانَتْ الْأُمُّ أَوْلَى بِهِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لِلْوَلَدِ لَا لِلْأَبَوَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ أَحْنَى عَلَيْهِ وَأَرَقَّ مِنْ الْأَبِ فَإِذَا بَلَغَ الْغُلَامُ وَلِيَ نَفْسَهُ إذَا أُونِسَ رُشْدُهُ وَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى أَنْ يَكُونَ عِنْدَ أَحَدِهِمَا وَأَخْتَار لَهُ بِرَّهُمَا وَتَرَكَ فِرَاقَهُمَا، وَإِذَا بَلَغَتْ الْجَارِيَةُ كَانَتْ مَعَ أَحَدِهِمَا حَتَّى تَزَوَّجَ فَتَكُونَ مَعَ زَوْجِهَا فَإِنْ أَبَتْ وَكَانَتْ مَأْمُونَةً سَكَنَتْ حَيْثُ شَاءَتْ مَا لَمْ تَرَ رِيبَةً، وَأَخْتَارُ لَهَا أَنْ لَا تُفَارِقَ أَبَوَيْهَا (قَالَ): وَإِذَا اجْتَمَعَ الْقَرَابَةُ مِنْ النِّسَاءِ فَتَنَازَعْنَ الْمَوْلُودَ فَالْأُمُّ أَوْلَى ثُمَّ أُمُّهَا ثُمَّ أُمَّهَاتُ أُمِّهَا، وَإِنْ بَعُدْنَ ثُمَّ الْجَدَّةُ أُمُّ الْأَبِ ثُمَّ أُمُّهَا ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا ثُمَّ الْجَدَّةُ أُمُّ الْجَدِّ لِلْأَبِ ثُمَّ أُمُّهَا ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا ثُمَّ الْأُخْتُ لِلْأَبِ وَالْأُمُّ ثُمَّ الْأُخْتُ لِلْأَبِ ثُمَّ الْأُخْتُ لِلْأُمِّ ثُمَّ الْخَالَةُ ثُمَّ الْعَمَّةِ وَلَا وِلَايَةَ لِأُمِّ أَبِي الْأُمِّ؛ لِأَنَّ قَرَابَتَهَا بِأَبٍ لَا بِأُمٍّ فَقَرَابَةُ الصَّبِيِّ مِنْ النِّسَاءِ أَوْلَى، وَلَا حَقَّ لِأَحَدٍ مَعَ الْأَبِ غَيْرُ الْأُمِّ وَأُمَّهَاتِهَا فَأَمَّا أَخَوَاتُهُ وَغَيْرُهُنَّ فَإِنَّمَا حُقُوقُهُنَّ بِالْأَبِ فَلَا يَكُونُ لَهُنَّ حَقٌّ مَعَهُ وَهُنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute