كِتَابِ اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِذَا أَفَادَ صَاحِبُ السُّفْلِ مَالًا أَخَذَ مِنْهُ قِيمَةَ مَا أَنْفَقَ فِي السُّفْلِ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْتُ أَنَا: الْأَوَّلُ أَوْلَى بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ مُتَطَوِّعٌ فَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يُرَاضِيَهُ عَلَيْهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا كَانَتْ لِرَجُلٍ نَخْلَةٌ أَوْ شَجَرَةٌ فَاسْتَعْلَتْ وَانْتَشَرَتْ أَغْصَانُهَا عَلَى دَارِ رَجُلٍ فَعَلَيْهِ قَطْعُ مَا شَرَعَ فِي دَارِ غَيْرِهِ فَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى تَرْكِهِ فَلَيْسَ بِجَائِزٍ وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ أَوْ عَلَى دَنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِالْقَبْضِ فَإِنْ قَبَضَ بَعْضًا وَبَقِيَ بَعْضٌ جَازَ فِيمَا قَبَضَ وَانْتَقَضَ فِيمَا لَمْ يَقْبِضْ إذَا رَضِيَ بِذَلِكَ الْمُصَالِحُ الْقَابِضُ.
وَإِذَا أَقَرَّ أَحَدُ الْوَرَثَةِ فِي دَارٍ فِي أَيْدِيهِمْ بِحَقٍّ لِرَجُلٍ ثُمَّ صَالَحَهُ مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ وَالْوَارِثُ الْمُقِرُّ مُتَطَوِّعٌ لَا يَرْجِعُ عَلَى إخْوَتِهِ بِشَيْءٍ. وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ بَيْتًا فِي يَدَيْهِ فَاصْطَلَحَا بَعْدَ الْإِقْرَارِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا سَطْحُهُ وَالْبِنَاءُ عَلَى جُدْرَانِهِ بِنَاءً مَعْلُومًا فَجَائِزٌ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْتُ أَنَا: لَا يَجُوزُ أَقِيسُ عَلَى قَوْلِهِ فِي إبْطَالِهِ أَنْ يُعْطِيَ رَجُلًا مَالًا عَلَى أَنْ يَشْرَعَ فِي بِنَائِهِ حَقًّا فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى أَنْ يَبْنِيَ عَلَى جُدْرَانِهِ بِنَاءً.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ اشْتَرَى عُلُوَّ بَيْتٍ عَلَى أَنْ يَبْنِيَ عَلَى جُدْرَانِهِ، وَيَسْكُنَ عَلَى سَطْحِهِ أَجَزْت ذَلِكَ إذَا سَمَّيَا مُنْتَهَى الْبُنْيَانِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَالْأَرْضِ فِي احْتِمَالِ مَا يُبْنَى عَلَيْهَا.
(قَالَ الْمُزَنِيّ): هَذَا عِنْدِي غَيْرُ مَنْعِهِ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي أَنْ يَقْتَسِمَا دَارًا عَلَى أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا السُّفْلُ وَلِلْآخِرِ الْعُلُوُّ حَتَّى يَكُونَ السُّفْلُ وَالْعُلُوُّ لِوَاحِدٍ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ كَانَتْ مَنَازِلُ سُفْلٍ فِي يَدَيْ رَجُلٍ وَالْعُلُوُّ فِي يَدَيْ آخَرَ فَتَدَاعَيَا الْعَرْصَةَ فَهِيَ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ كَانَ فِيهَا دَرَجٌ إلَى عُلُوِّهَا فَهِيَ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ كَانَتْ مَعْقُودَةً أَوْ غَيْرَ مَعْقُودَةٍ؛ لِأَنَّهَا تُتَّخَذُ مَمَرًّا، وَإِنْ انْتَفَعَ بِمَا تَحْتَهَا.
وَلَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ زَرْعًا فِي أَرْضٍ فَصَالَحَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى دَرَاهِمَ فَجَائِزٌ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ زَرْعَهُ أَخْضَرَ مِمَّنْ يَقْصِلُهُ وَلَوْ كَانَ الزَّرْعُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَصَالَحَهُ أَحَدُهُمَا عَلَى نِصْفِ الزَّرْعِ لَمْ يَجُزْ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْسِمَ الزَّرْعَ أَخْضَرَ، وَلَا يَجْبُرُ شَرِيكُهُ عَلَى أَنْ يَقْلَعَ مِنْهُ شَيْئًا.
بَابُ الْحَوَالَةِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ».
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ أَنَّ الْحَقَّ يَتَحَوَّلُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَيَبْرَأُ مِنْهُ الْمُحِيلُ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ أَبَدًا كَانَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا أَفْلَسَ أَوْ مَاتَ مُعْدِمًا غَرِمْته أَوْ لَمْ يَغْرَمْنَهُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إذَا أَفْلَسَ أَوْ مَاتَ مُفْلِسًا رَجَعَ عَلَى الْمُحِيلِ لِمَا صَبَرَ الْمُحْتَالُ عَلَى مَنْ أُحِيلَ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ ثَابِتٌ عَلَى الْمُحِيلِ، وَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ قَدْ تَحَوَّلَ عَنِّي فَصَارَ إلَى غَيْرَى فَلَمْ يَأْخُذْنِي بِمَا بَرِئْت مِنْهُ؛ لَأَنْ أُفْلِسَ غَيْرِي أَوْ لَا يَكُونُ حَقُّهُ تَحَوَّلَ عَنِّي فَلِمَ أَبْرَأَنِي مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يُفْلِسَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ وَاحْتَجَّ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِأَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ فِي الْحَوَالَةِ أَوْ الْكَفَالَةِ يَرْجِعُ صَاحِبُهَا لَا تَوًى عَلَى مَالِ مُسْلِمٍ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَهُوَ عِنْدِي يَبْطُلُ مِنْ وَجْهَيْنِ وَلَوْ صَحَّ مَا كَانَ لَهُ فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي قَالَ ذَلِكَ فِي الْحَوَالَةِ أَوْ الْكَفَالَةِ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ): هَذِهِ مَسَائِلُ تَحَرَّيْتُ فِيهَا مَعَانِي جَوَابَاتِ الشَّافِعِيِّ فِي الْحَوَالَةِ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْت أَنَا مِنْ ذَلِكَ: وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبَضَهُ ثُمَّ أَحَالَ الْبَائِعُ بِالْأَلْفِ عَلَى رَجُلٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَاحْتَالَ ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ وَجَدَ بِالْعَبْدِ عَيْبًا فَرَدَّهُ بَطَلَتْ الْحَوَالَةُ، وَإِنْ رَدَّ الْعَبْدَ بَعْدَ أَنْ قَبَضَ الْبَائِعُ مَا احْتَالَ بِهِ رَجَعَ بِهِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ وَكَانَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مِنْهُ بَرِيئًا (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَفِي إبْطَالِ الْحَوَالَةِ نَظَرٌ (قَالَ): وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ أَحَالَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِهَذِهِ الْأَلْفِ رَجُلًا لَهُ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ ثُمَّ تَصَادَقَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي أَنَّ الْعَبْدَ الَّذِي تَبَايَعَاهُ حُرُّ الْأَصْلِ فَإِنَّ الْحَوَالَةَ لَا