طَلَاقًا كَانَ طَلَاقًا أَوْ طَلَّقَ يُرِيدُ ظِهَارًا كَانَ طَلَاقًا وَهَذِهِ أُصُولٌ.
وَلَا ظِهَارَ مِنْ أَمَةٍ وَلَا أُمِّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} كَمَا قَالَ {يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} فَعَقَلْنَا عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ نِسَائِنَا وَإِنَّمَا نِسَاؤُنَا أَزْوَاجُنَا وَلَوْ لَزِمَهَا وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ لَزِمَهَا كُلُّهَا.
بَابُ مَا يَكُونُ ظِهَارًا وَمَا لَا يَكُونُ ظِهَارًا
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - الظِّهَارُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ مِنِّي أَوْ أَنْتِ مَعِي كَظَهْرِ أُمِّي وَمَا أَشْبَهَهُ فَهُوَ ظِهَارٌ، وَإِنْ قَالَ: فَرْجُك أَوْ رَأْسُك أَوْ ظَهْرُك أَوْ جِلْدُك أَوْ يَدُك أَوْ رِجْلُك عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي كَانَ هَذَا ظِهَارًا، وَلَوْ قَالَ: كَبَدَنِ أُمِّي أَوْ كَرَأْسِ أُمِّي أَوْ كَيَدِهَا كَانَ هَذَا ظِهَارًا؛ لِأَنَّ التَّلَذُّذَ بِكُلِّ أُمِّهِ مُحَرَّمٌ، وَلَوْ قَالَ: كَأُمِّي أَوْ مِثْلِ أُمِّي وَأَرَادَ الْكَرَامَةَ فَلَا ظِهَارَ وَإِنْ أَرَادَ الظِّهَارَ فَهُوَ ظِهَارٌ، وَإِنْ قَالَ: لَا نِيَّةَ لِي فَلَيْسَ بِظِهَارٍ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ امْرَأَةٍ مُحَرَّمَةٍ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ قَامَتْ فِي ذَلِكَ مَقَامَ الْأُمِّ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ».
(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعَالَى وَحِفْظِي وَغَيْرِي عَنْهُ لَا يَكُونُ مُتَظَاهِرًا بِمَنْ كَانَتْ حَلَالًا فِي حَالٍ ثُمَّ حَرُمَتْ بِسَبَبٍ كَمَا حَرُمَتْ نِسَاءُ الْآبَاءِ وَحَلَائِلُ الْأَبْنَاءِ بِسَبَبٍ وَهُوَ لَا يَجْعَلُ هَذَا ظِهَارًا وَلَا فِي قَوْلِهِ كَظَهْرِ أَبِي (قَالَ): وَيَلْزَمُ الْحِنْثُ بِالظِّهَارِ كَمَا يَلْزَمُ بِالطَّلَاقِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ قَالَ: إذَا نَكَحْتُك فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَنَكَحَهَا لَمْ يَكُنْ مُتَظَاهِرًا؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ إنَّمَا يَقَعُ مِنْ النِّسَاءِ عَلَى مَنْ حَلَّ لَهُ وَلَا مَعْنَى لِلتَّحْرِيمِ فِي الْمُحَرَّمِ وَيُرْوَى مِثْلُ مَا قُلْت عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ الْقِيَاسُ (وَلَوْ) قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كَظَهْرِ أُمِّي يُرِيدُ الظِّهَارَ فَهِيَ طَالِقٌ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالطَّلَاقِ فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ كَظَهْرِ أُمِّي إلَّا أَنَّك حَرَامٌ بِالطَّلَاقِ كَظَهْرِ أُمِّي، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي يُرِيدُ الطَّلَاقَ فَهُوَ ظِهَارٌ، وَلَوْ قَالَ لِأُخْرَى: قَدْ أَشْرَكْتُك مَعَهَا أَوْ أَنْتِ شَرِيكَتُهَا أَوْ أَنْتِ كَهِيَ وَلَمْ يَنْوِ ظِهَارًا لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ شَرِيكَتُهَا فِي أَنَّهَا زَوْجَةٌ لَهُ أَوْ عَاصِيَةٌ أَوْ مُطِيعَةٌ لَهُ كَهِيَ.
(قَالَ): وَلَوْ ظَاهَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ لَهُ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَالَ فِي كِتَابِ الظِّهَارِ الْجَدِيدِ وَفِي الْإِمْلَاءِ عَلَى مَسَائِلِ مَالِكٍ أَنَّ عَلَيْهِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ كَفَّارَةً كَمَا يُطَلِّقُهُنَّ مَعًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَالَ فِي الْكِتَابِ الْقَدِيمِ: لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْكَفَّارَاتِ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) وَهَذَا بِقَوْلِهِ أَوْلَى.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ تَظَاهَرَ مِنْهَا مِرَارًا يُرِيدُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ ظِهَارًا غَيْرَ الْآخَرِ قَبْلَ يُكَفِّرُ فَعَلَيْهِ بِكُلِّ تَظَاهُرٍ كَفَّارَةٌ كَمَا يَكُونُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ تَطْلِيقَةٍ تَطْلِيقَةٌ، وَلَوْ قَالَهَا مُتَتَابِعًا فَقَالَ: أَرَدْت ظِهَارًا وَاحِدًا فَهُوَ وَاحِدٌ كَمَا لَوْ تَابَعَ بِالطَّلَاقِ كَانَ كَطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَوْ قَالَ: إذَا تَظَاهَرْت مِنْ فُلَانَةَ الْأَجْنَبِيَّةِ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَتَظَاهَرَ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ظِهَارٌ كَمَا لَوْ طَلَّقَ أَجْنَبِيَّةً لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute