الشَّافِعِيُّ) وَلَا أَحْسِبُهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْهُمْ إلَّا بِشَرْطٍ.
(قَالَ): وَيُحَدِّدُ الْإِمَامُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فِي تِجَارَاتِهِمْ مَا يَبِينُ لَهُ وَلَهُمْ وَلِلْعَامَّةِ لِيَأْخُذَهُمْ بِهِ الْوُلَاةُ وَأَمَّا الْحَرَمُ فَلَا يَدْخُلُهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ بِحَالٍ كَانَ لَهُ بِهَا مَالٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَيَخْرُجُ الْإِمَامُ مِنْهُ إلَى الرُّسُلِ وَمَنْ كَانَ بِهَا مِنْهُمْ مَرِيضًا أَوْ مَاتَ أُخْرِجَ مَيِّتًا وَلَمْ يُدْفَنْ بِهَا. وَرُوِيَ أَنَّهُ سَمِعَ عَدَدًا مِنْ أَهْلِ الْمَغَازِي يَرْوُونَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَجْتَمِعُ مُسْلِمٌ وَمُشْرِكٌ فِي الْحَرَمِ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا».
بَابٌ فِي نَصَارَى الْعَرَبِ تُضَعَّفُ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ وَمَسْلَكُ الْجِزْيَةِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: اخْتَلَفَتْ الْأَخْبَارُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي نَصَارَى الْعَرَبِ مِنْ تَنُوخِ وَبَهْرَاءَ وَبَنِي تَغْلِبَ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ صَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ يُضَعِّفَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ وَلَا يُكْرَهُوا عَلَى غَيْرِ دِينِهِمْ، وَهَكَذَا حَفِظَ أَهْلُ الْمَغَازِي قَالُوا رَامَهُمْ عُمَرُ عَلَى الْجِزْيَةِ فَقَالُوا: نَحْنُ عَرَبٌ لَا نُؤَدِّي مَا يُؤَدِّي الْعَجَمُ وَلَكِنْ خُذْ مِنَّا كَمَا يَأْخُذُ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ يَعْنُونَ الصَّدَقَةَ؛ فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا، هَذَا فَرْضٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَقَالُوا: فَزِدْ مَا شِئْت بِهَذَا الِاسْمِ لَا بِاسْمِ الْجِزْيَةِ فَرَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يُضَعِّفَ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةَ.
(قَالَ): فَإِذَا ضَعَّفَهَا عَلَيْهِمْ فَانْظُرْ إلَى مَوَاشِيهِمْ وَذَهَبِهِمْ وَوَرِقِهِمْ وَأَطْعِمَتِهِمْ وَمَا أَصَابُوا مِنْ مَعَادِنِ بِلَادِهِمْ وَرِكَازِهَا وَكُلِّ أَمْرٍ أُخِذَ فِيهِ مِنْ مُسْلِمٍ خُمُسٌ فَخُذْ خُمُسَيْنِ أَوْ عُشْرٌ فَخُذْ عُشْرَيْنِ أَوْ نِصْفُ عُشْرٍ فَخُذْ عُشْرًا أَوْ رُبُعُ عُشْرٍ فَخُذْ نِصْفَ عُشْرٍ، وَكَذَلِكَ مَاشِيَتُهُمْ خُذْ الضِّعْفَ مِنْهَا وَكُلُّ مَا أُخِذَ مِنْ ذِمِّيٍّ عَرَبِيٍّ فَمَسْلَكُهُ مَسْلَكُ الْفَيْءِ وَمَا اتَّجَرَ بِهِ نَصَارَى الْعَرَبِ وَأَهْلُ دِينِهِمْ وَإِنْ كَانُوا يَهُودًا تُضَاعَفُ عَلَيْهِمْ فِيهِ الصَّدَقَةُ.
بَابُ الْمُهَادَنَةِ عَلَى النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ
وَنَقْضِ مَا لَا يَجُوزُ مِنْ الصُّلْحِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ نَزَلَتْ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ بِقُوَّةِ عَدُوٍّ عَلَيْهِمْ - وَأَرْجُو أَنْ لَا يُنْزِلَهَا اللَّهُ بِهِمْ - هَادَنَهُمْ الْإِمَامُ عَلَى النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ إلَى مُدَّةٍ يَرْجُو إلَيْهَا الْقُوَّةَ عَلَيْهِمْ لَا تُجَاوِزُ مُدَّةَ أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ الَّتِي هَادَنَهُمْ عَلَيْهَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَهِيَ عَشْرُ سِنِينَ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُهَادِنَ إلَى غَيْرِ مُدَّةٍ عَلَى أَنَّهُ مَتَى بَدَا لَهُ نَقَضَ الْهُدْنَةَ فَجَائِزٌ وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا عَلَى الْعَدُوِّ لَمْ يُهَادِنْهُمْ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لَمَّا قَوِيَ الْإِسْلَامُ {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} الْآيَةَ وَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِصَفْوَان بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ بِسِنِينَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لَا أَعْلَمُهُ زَادَ أَحَدٌ بَعْدَ قُوَّةِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَمِّنَ الرَّسُولَ وَالْمُسْتَأْمَنَ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَبْلُغَانِ حَاجَتَهُمَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقِيمَ بِهَا سَنَةً بِغَيْرِ جِزْيَةٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُهَادِنَهُمْ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُمْ الْمُسْلِمُونَ شَيْئًا بِحَالٍ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ لِلْمُسْلِمِينَ شَهَادَةٌ وَأَنَّ الْإِسْلَامَ أَعَزُّ مِنْ أَنْ يُعْطَى مُشْرِكٌ عَلَى أَنْ يَكُفَّ عَنْ أَهْلِهِ؛ لِأَنَّ أَهْلَهُ قَاتِلِينَ وَمَقْتُولِينَ ظَاهِرُونَ عَلَى الْحَقِّ إلَّا فِي حَالٍ يَخَافُونَ الِاصْطِدَامَ فَيُعْطُونَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ أَوْ يَفْتَدِي مَأْسُورًا فَلَا بَأْسَ؛ لِأَنَّ هَذَا مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ.
وَإِنْ صَالَحَهُمْ الْإِمَامُ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ فَالطَّاعَةُ نَقْضُهُ كَمَا صَنَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النِّسَاءِ وَقَدْ أَعْطَى الْمُشْرِكِينَ فِيهِنَّ مَا أَعْطَاهُمْ فِي الرِّجَالِ وَلَمْ يَسْتَثْنِ فَجَاءَتْهُ أُمُّ كُلْثُوم بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ مُسْلِمَةً مُهَاجِرَةً فَجَاءَ أَخَوَاهَا يَطْلُبَانِهَا فَمَنَعَهَا مِنْهُمَا وَأَخْبَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute