بَابُ الْإِيلَاءِ مِنْ نِسْوَةٍ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَلَوْ قَالَ لِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ لَهُ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُنَّ فَهُوَ مُولٍ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ يُوقِفُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فَإِذَا أَصَابَ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ خَرَجَتَا مِنْ حُكْمِ الْإِيلَاءِ وَيُوقِفُ لِلْبَاقِيَتَيْنِ حَتَّى يَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ وَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ حَتَّى يُصِيبَ الْأَرْبَعَ اللَّائِي حَلَفَ عَلَيْهِنَّ كُلِّهِنَّ، وَلَوْ طَلَّقَ مِنْهُنَّ ثَلَاثًا كَانَ مُولِيًا مِنْ الْبَاقِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَامَعَهَا وَاَللَّائِي طَلَّقَ حَنِثَ، وَلَوْ مَاتَتْ إحْدَاهُنَّ سَقَطَ عَنْهُ الْإِيلَاءُ؛ لِأَنَّهُ يُجَامِعُ الْبَوَاقِيَ وَلَا يَحْنَثُ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) أَصْلُ قَوْلِهِ أَنَّ كُلَّ يَمِينٍ مَنَعَتْ الْجِمَاعَ بِكُلِّ حَالٍ فَهُوَ بِهَا مُولٍ، وَقَدْ زَعَمَ أَنَّهُ مُولٍ مِنْ الرَّابِعَةِ الْبَاقِيَةِ، وَلَوْ وَطِئَهَا وَحْدَهَا مَا حَنِثَ فَكَيْفَ يَكُونُ مِنْهَا مُولِيًا؟ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: لَوْ مَاتَتْ إحْدَاهُنَّ سَقَطَ عَنْهُ الْإِيلَاءُ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا إيلَاءَ عَلَيْهِ حَتَّى يَطَأَ ثَلَاثًا يَكُونُ مُولِيًا مِنْ الرَّابِعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَطَأَهَا إلَّا حَنِثَ وَهَذَا بِقَوْلِهِ أَوْلَى.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَلَوْ كَانَ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُ وَاحِدَةً مِنْكُنَّ وَهُوَ يُرِيدُهُنَّ كُلَّهُنَّ فَهُوَ مُولٍ يُوقِفُ لَهُنَّ فَأَيُّ وَاحِدَةٍ مَا أَصَابَ مِنْهُنَّ خَرَجَ مِنْ الْإِيلَاءِ فِي الْبَوَاقِي؛ لِأَنَّهُ حَنِثَ بِإِصَابَةِ الْوَاحِدَةِ فَإِذَا حَنِثَ مَرَّةً لَمْ يَعُدْ الْحِنْثُ بِإِيلَاءِ ثَانِيَةٍ.
بَابُ عَلَى مَنْ يَجِبُ التَّأْقِيتِ فِي الْإِيلَاءِ وَمَنْ يَسْقُطُ عَنْهُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَلَا تَعْرِضُ لِلْمُولِي وَلَا لِامْرَأَتِهِ حَتَّى تَطْلُبَ الْوَقْفَ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ، وَلَوْ عَفَتْ ذَلِكَ ثُمَّ طَلَبَتْهُ كَانَ ذَلِكَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا تَرَكَتْ مَا لَمْ يَجِبْ لَهَا فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ وَلَا لِوَلِيِّ مَعْتُوهَةٍ، وَمَنْ حَلَفَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَا إيلَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا تَنْقَضِي وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الْيَمِينِ، وَلَوْ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ لَا يَقْرَبُ امْرَأَةً لَهُ أُخْرَى ثُمَّ بَانَتْ مِنْهُ ثُمَّ نَكَحَهَا فَهُوَ مُولٍ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَوْ آلَى مِنْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ نَكَحَهَا نِكَاحًا جَدِيدًا وَسَقَطَ عَنْهُ حُكْمُ الْإِيلَاءِ وَإِنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُ حُكْمُ الْإِيلَاءِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ فِي حَالٍ لَوْ طَلَّقَهَا لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ عَلَيْهَا، وَلَوْ جَازَ أَنْ تَبِينَ امْرَأَةُ الْمُولِي حَتَّى تَصِيرَ أَمَلَكَ لِنَفْسِهَا مِنْهُ ثُمَّ يَنْكِحُهَا فَيَعُودُ حُكْمُ الْإِيلَاءِ جَازَ هَذَا بَعْدَ ثَلَاثٍ وَزَوْجٍ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا فِي امْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا يُكَفِّرُ إنْ أَصَابَهَا كَمَا كَانَتْ قَائِمَةً قَبْلَ التَّزْوِيجِ وَهَكَذَا الظِّهَارُ مِثْلُ الْإِيلَاءِ، وَلَوْ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ الْأَمَةِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَخَرَجَتْ مِنْ مِلْكِهِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَوْ الْعَبْدُ مِنْ حُرَّةٍ ثُمَّ اشْتَرَتْهُ فَتَزَوَّجَتْهُ لَمْ يَعُدْ الْإِيلَاءُ لِانْفِسَاخِ النِّكَاحِ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا كُلُّهُ أَشْبَهُ بِأَصْلِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ نِكَاحٍ أَوْ مِلْكٍ حَدَثَ لَمْ يُعْمَلْ فِيهِ إلَّا قَوْلٌ وَإِيلَاءٌ وَظِهَارٌ يَحْدُثُ، فَالْقِيَاسُ أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ يَكُونُ فِي مِلْكٍ إذَا زَالَ ذَلِكَ الْمِلْكُ زَالَ مَا فِيهِ مِنْ الْحُكْمِ فَإِذَا زَالَ نِكَاحُهُ فَبَانَتْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ زَالَ حُكْمُ الْإِيلَاءِ عَنْهُ فِي مَعْنَاهُ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَالْإِيلَاءُ يَمِينٌ لِوَقْتٍ فَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ فِيهَا سَوَاءٌ أَلَا تَرَى أَنَّ أَجَلَ الْعَبْدِ وَأَجَلَ الْحُرِّ الْعِنِّينِ سَنَةٌ، وَلَوْ قَالَتْ: قَدْ انْقَضَتْ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ، وَقَالَ: لَمْ تَنْقَضِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ، وَلَوْ آلَى مِنْ مُطَلَّقَةٍ يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا كَانَ مُولِيًا مِنْ حِينِ يَرْتَجِعُهَا وَلَوْ لَمْ يَمْلِكْ رَجْعَتَهَا لَمْ يَكُنْ مُولِيًا وَالْإِيلَاءُ مِنْ كُلِّ زَوْجَةٍ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ وَمُسْلِمَةٍ وَذِمِّيَّةٍ سَوَاءٌ.