للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَهُوَ أَنَّ السَّيِّدَ إذَا غَرِمَ قِيمَتَهَا ثُمَّ جَنَتْ شَرِكَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الثَّانِي الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ الْأَوَّلَ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) فَهَذَا عِنْدِي لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ الْأَوَّلَ قَدْ مَلَكَ الْأَرْشَ بِالْجِنَايَةِ فَكَيْفَ تَجْنِي أَمَةُ غَيْرِهِ وَيَكُونُ بَعْضُ الْغُرْمِ عَلَيْهِ.

الْتِقَاءُ الْفَارِسَيْنِ وَالسَّفِينَتَيْنِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا اصْطَدَمَ الرَّاكِبَانِ عَلَى أَيِّ دَابَّةٍ كَانَتَا فَمَاتَا مَعًا فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ صَدْمَتِهِ وَصَدْمَةِ صَاحِبِهِ كَمَا لَوْ جَرَحَ نَفْسَهُ وَجَرَحَهُ صَاحِبُهُ فَمَاتَ وَإِنْ مَاتَتْ الدَّابَّتَانِ فَفِي مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ قِيمَةِ دَابَّةِ صَاحِبِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَمَوْا بِالْمَنْجَنِيقِ مَعًا فَرَجَعَ الْحَجَرُ عَلَيْهِمْ فَقَتَلَ أَحَدَهُمْ فَتُرْفَعُ حِصَّتُهُ مِنْ جِنَايَتِهِ وَيَغْرَمُ عَاقِلَةُ الْبَاقِينَ بَاقِيَ دِيَتِهِ.

(قَالَ): وَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا وَاقِفًا فَصَدَمَهُ الْآخَرُ فَمَاتَا فَالصَّادِمُ هَدَرٌ وَدِيَةُ صَاحِبِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّادِمِ.

(قَالَ): وَإِذَا اصْطَدَمَتْ السَّفِينَتَانِ وَتَكَسَّرَتَا أَوْ إحْدَاهُمَا فَمَاتَ مَنْ فِيهِمَا فَلَا يَجُوزُ فِيهَا إلَّا وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَضْمَنَ الْقَائِمُ بِهِمَا فِي تِلْكَ الْحَالِ نِصْفَ كُلِّ مَا أَصَابَتْ سَفِينَتُهُ لِغَيْرِهِ أَوْ لَا يَضْمَنُ بِحَالٍ إلَّا أَنْ يَقْدِرَ عَلَى تَصْرِيفِهَا بِنَفْسِهِ وَبِمَنْ يُطِيعُهُ فَأَمَّا إذَا غَلَبَتْهُ فَلَا يَضْمَنُ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الَّذِي يَصْرِفُهَا أَنَّهَا غَلَبَتْهُ بِرِيحٍ أَوْ مَوْجٍ، وَإِذَا ضَمِنَ غَيْرَ النُّفُوسِ فِي مَالِهِ ضَمِنَتْ النُّفُوسَ عَاقِلَتُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَبْدًا فَيَكُونَ ذَلِكَ فِي عُنُقِهِ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ قَالَ فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ لَا ضَمَانَ إلَّا أَنْ يُمْكِنَ صَرْفُهَا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا صَدَمَتْ سَفِينَتُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْهَدَ بِهَا الصَّدْمُ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا مِمَّا فِي سَفِينَتِهِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ الَّذِينَ دَخَلُوا غَيْرُ مُتَعَدًّى عَلَيْهِمْ وَلَا عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَإِذَا عَرَضَ لَهُمْ مَا يَخَافُونَ بِهِ التَّلَفَ عَلَيْهَا وَعَلَى مَنْ فِيهَا فَأَلْقَى أَحَدُهُمْ بَعْضَ مَا فِيهَا رَجَاءَ أَنْ تَخِفَّ فَتَسْلَمَ، فَإِنْ كَانَ مَالَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَى غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالُوا لَهُ: أَلْقِ مَتَاعَك فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ ضَمِنَ، وَلَوْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: أَلْقِهِ عَلَى أَنْ أَضْمَنَهُ أَنَا وَرُكْبَانُ السَّفِينَةِ ضَمِنَهُ دُونَهُمْ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعُوا.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) هَذَا عِنْدِي غَلَطٌ غَيْرُ مُشْكِلٍ وَقِيَاسُ مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يَضْمَنْ وَلَا يَضْمَنُ أَصْحَابُهُ مَا أَرَادَ أَنْ يُضَمِّنَهُمْ إيَّاهُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ خَرَقَ السَّفِينَةَ فَغَرِقَ أَهْلُهَا ضَمِنَ مَا فِيهَا وَضَمِنَ دِيَاتِ رُكْبَانِهَا عَاقِلَتُهُ وَسَوَاءٌ مَنْ خَرَقَ ذَلِكَ مِنْهَا.

بَابُ مَنْ الْعَاقِلَةُ الَّتِي تَغْرَمُ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ» وَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ عَلِمْته فِي أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِهَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَلَا مُخَالِفًا فِي أَنَّ الْعَاقِلَةَ الْعَصَبَةُ وَهُمْ الْقَرَابَةُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَقَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِأَنْ يَعْقِلَ عَنْ مَوَالِي صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَقَضَى لِلزُّبَيْرِ بِمِيرَاثِهِمْ؛ لِأَنَّهُ ابْنُهَا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَمَعْرِفَةُ الْعَاقِلَةِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى إخْوَتِهِ لِأَبِيهِ فَيُحَمِّلَهُمْ مَا يُحَمِّلُ الْعَاقِلَةَ فَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلُوهَا دَفَعْت إلَى بَنِي جَدِّهِ فَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلُوهَا دَفَعْت إلَى بَنِي جَدِّ أَبِيهِ ثُمَّ هَكَذَا لَا يُدْفَعُ إلَى بَنِي أَبٍ حَتَّى يَعْجِزَ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُمْ

<<  <   >  >>