بَابُ بَيَانِ التَّمَتُّعِ بِالْعُمْرَةِ وَبَيَانِ الْمَوَاقِيتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): قَالَ اللَّهُ - جَلَّ وَعَزَّ - {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} الْآيَةَ فَإِذَا أَهَلَّ بِالْحَجِّ فِي شَوَّالٍ أَوْ ذِي الْقَعْدَةِ أَوْ ذِي الْحِجَّةِ صَارَ مُتَمَتِّعًا فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَصُومَ حِينَ يَدْخُلُ فِي الْحَجِّ، وَهُوَ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ.
(قَالَ): وَعَلَيْهِ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْحَجِّ حَتَّى يَصُومَ إذَا لَمْ يَجِدْ هَدْيًا وَأَنْ يَكُونَ آخِرُ مَالَهُ مِنْ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ فِي آخِرِ صِيَامِهِ يَوْمَ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ بَعْدَ عَرَفَةَ مِنْ الْحَجِّ، وَيَكُونُ فِي يَوْمٍ لَا صَوْمَ فِيهِ يَوْمِ النَّحْرِ، وَلَا يُصَامُ فِيهِ وَلَا أَيَّامِ مِنًى لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهَا وَأَنَّ مَنْ طَافَ فِيهَا فَقَدْ حَلَّ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ أَقُولَ هَذَا فِي حَجٍّ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْهُ، وَقَدْ كُنْت أَرَاهُ، وَقَدْ يَكُونُ مَنْ قَالَ يَصُومُ أَيَّامَ مِنًى ذَهَبَ عَنْهُ نَهْيُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهَا.
(قَالَ الْمُزَنِيّ): قَوْلُهُ هَذَا قِيَاسٌ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَوَّى فِي نَهْيِهِ عَنْهَا وَعَنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَإِذَا لَمْ يَجُزْ صِيَامُ يَوْمِ النَّحْرِ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ فَكَذَلِكَ أَيَّامُ مِنًى لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهَا.
(قَالَ): وَيَصُومُ السَّبْعَةَ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَصُمْ حَتَّى مَاتَ تُصُدِّقَ عَمَّا أَمْكَنَهُ فَلَمْ يَصُمْهُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ فَإِنْ لَمْ يَمُتْ وَدَخَلَ فِي الصَّوْمِ ثُمَّ وَجَدَ الْهَدْيَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ، وَإِنْ أَهْدَى فَحَسَنٌ وَحَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِينَ لَا مُتْعَةَ عَلَيْهِمْ مَنْ كَانَ أَهْلُهُ دُونَ لَيْلَتَيْنِ وَهُوَ حِينَئِذٍ أَقْرَبُ الْمَوَاقِيتِ وَمَنْ سَافَرَ إلَيْهِ صَلَّى صَلَاةَ الْحَضَرِ وَمِنْهُ يَرْجِعُ مَنْ لَمْ يَكُنْ آخِرُ عَهْدِهِ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ حَتَّى يَطُوفَ فَإِنْ جَاوَزَ ذَلِكَ إلَى أَنْ يَصِيرَ مُسَافِرًا أَجْزَأَهُ دَمٌ.
بَابُ مَوَاقِيتِ الْحَجِّ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): مِيقَاتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْجُحْفَةِ وَأَهْلِ تِهَامَةِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ وَأَهْلِ نَجْدِ الْيَمَنِ قَرْنًا وَأَهْلِ الْمَشْرِقِ ذَاتَ عِرْقٍ وَلَوْ أَهَلُّوا مِنْ الْعَقِيقِ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَالْمَوَاقِيتُ لِأَهْلِهَا وَلِكُلِّ مَنْ يَمُرُّ بِهَا مِمَّنْ أَرَادَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً وَأَيُّهُمْ مَرَّ بِمِيقَاتِ غَيْرِهِ، وَلَمْ يَأْتِ مِنْ بَلَدِهِ كَانَ مِيقَاتُهُ مِيقَاتَ ذَلِكَ الْبَلَدِ الَّذِي مَرَّ بِهِ وَالْمَوَاقِيتُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالْقِرَانِ سَوَاءٌ وَمَنْ سَلَكَ بَرًّا أَوْ بَحْرًا تَأَخَّرَ حَتَّى يُهِلَّ مِنْ حَذْوِ الْمَوَاقِيتِ أَوْ مِنْ وَرَائِهَا وَلَوْ أَتَى عَلَى مِيقَاتٍ لَا يُرِيدُ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً فَجَاوَزَهُ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُحْرِمَ أَحْرَمَ مِنْهُ وَذَلِكَ مِيقَاتُهُ وَمَنْ كَانَ أَهْلُهُ دُونَ الْمِيقَاتِ فَمِيقَاتُهُ مِنْ حَيْثُ يُحْرِمُ مِنْ أَهْلِهِ لَا يُجَاوِزُهُ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَهَلَّ مِنْ الْفُرْعِ وَهَذَا عِنْدَنَا أَنَّهُ مَرَّ بِمِيقَاتِهِ لَا يُرِيدُ إحْرَامًا ثُمَّ بَدَا لَهُ فَأَهَلَّ مِنْهُ أَوْ جَاءَ إلَى الْفُرْعِ مِنْ مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ فَأَهَلَّ مِنْهُ، وَرُوِيَ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ».
بَابُ الْإِحْرَامِ وَالتَّلْبِيَةِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ الْإِحْرَامَ اغْتَسَلَ لِإِحْرَامِهِ مِنْ مِيقَاتِهِ وَتَجَرَّدَ وَلَبِسَ إزَارًا وَرِدَاءً أَبْيَضَيْنِ وَيَتَطَيَّبُ لِإِحْرَامِهِ إنْ أَحَبَّ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَرْكَبُ فَإِذَا تَوَجَّهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ لَبَّى وَيَكْفِيهِ أَنْ يَنْوِيَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً عِنْدَ دُخُولِهِ فِيهِ وَرُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِالْغُسْلِ وَتَطَيَّبَ لِإِحْرَامِهِ» وَتَطَيَّبَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ.
(قَالَ): فَإِنْ لَبَّى بِحَجٍّ وَهُوَ يُرِيدُ عُمْرَةً فَهِيَ