للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الَّذِي فِي يَدَيْهِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ قَبَضَهُ فَيَعْلَمُ بِذَلِكَ أَنَّ قَبْضَ صَاحِبِهِ قَبْلَهُ.

بَابُ رَهْنِ الْأَرْضِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): إذَا رَهَنَ أَرْضًا وَلَمْ يَقُلْ بِبِنَائِهَا وَشَجَرِهَا فَالْأَرْضُ رَهْنٌ دُونَ بِنَائِهَا وَشَجَرِهَا وَلَوْ رَهَنَ شَجَرًا وَبَيْنَ الشَّجَرِ بَيَاضٌ فَالشَّجَرُ رَهْنٌ دُونَ الْبَيَاضِ وَلَا يَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ إلَّا مَا سَمَّى.

وَإِذَا رَهَنَ ثَمَرًا قَدْ خَرَجَ مِنْ نَخْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ بَيْعُهُ وَمَعَهُ النَّخْلُ فَهُمَا رَهْنٌ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَوْ حَلَّ جَازَ أَنْ يُبَاعَ وَكَذَلِكَ إذَا بَلَغَتْ هَذِهِ الثَّمَرَةُ قَبْلَ مَحِلِّ الْحَقِّ وَبِيعَتْ خُيِّرَ الرَّاهِنُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنُهَا مَرْهُونًا مَعَ النَّخْلِ أَوْ قِصَاصًا إلَّا أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الثَّمَرَةُ تَيْبَسُ فَلَا يَكُونُ لَهُ بَيْعُهَا إلَّا بِإِذْنِ الرَّاهِنِ.

وَلَوْ رَهَنَهُ الثَّمَرَ دُونَ النَّخْلِ طَلْعًا أَوْ مُؤَبَّرَةً أَوْ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا لَمْ يَجُزْ الرَّهْنُ إلَّا أَنْ يَتَشَارَطَا أَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ إذَا حَلَّ حَقُّهُ قَطْعَهَا وَبَيْعَهَا فَيَجُوزُ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ الثَّمَرِ أَنَّهُ يُتْرَكُ إلَى أَنْ يَصْلُحَ أَلَا تَرَى «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا» لِمَعْرِفَةِ النَّاسِ أَنَّهَا تُتْرَكُ إلَى بُدُوِّ صَلَاحِهَا، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ ثَمَرَةٍ وَزَرْعٍ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا فَمَا لَمْ يَحِلَّ بَيْعُهُ فَلَا يَجُوزُ رَهْنُهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الثَّمَرِ شَيْءٌ يَخْرُجُ فَرَهَنَهُ وَكَانَ يَخْرُجُ بَعْدَهُ غَيْرُهُ مِنْهُ فَلَا يَتَمَيَّزُ الْخَارِجُ الْأَوَّلُ الْمَرْهُونُ مِنْ الْآخَرِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَا أَنْ يُقْطَعَ فِي مُدَّةٍ قَبْلَ أَنْ يُلْحَقُهُ الثَّانِي فَيَجُوزَ الرَّهْنُ فَإِنْ تُرِكَ حَتَّى يَخْرُجَ بَعْدَهُ ثَمَرَةٌ لَا تَتَمَيَّزُ فَفِيهَا قَوْلَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَفْسُدُ الرَّهْنُ كَمَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ فِي قَدْرِ الثَّمَرَةِ الْمُخْتَلِطَةِ مِنْ الْمَرْهُونَةِ كَمَا لَوْ رَهَنَهُ حِنْطَةً فَاخْتَلَطَتْ بِحِنْطَةٍ لِلرَّاهِنِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي قَدْرِ الْمَرْهُونَةِ مِنْ الْمُخْتَلِطَةِ بِهَا مَعَ يَمِينِهِ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْت أَنَا: هَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ، وَقَدْ بَيَّنْته فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي بَابِ ثَمَرِ الْحَائِطِ يُبَاعُ أَصْلُهُ.

(قُلْت أَنَا): وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ فِي الزِّيَادَةِ قَوْلَ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ فِي يَدَيْهِ وَالرَّاهِنُ مُدَّعٍ قَدْرَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ فِي قِيَاسِهِ عِنْدِي، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا رَهَنَهُ ثَمَرَةً فَعَلَى الرَّاهِنِ سَقْيُهَا وَصَلَاحُهَا وَجِدَادُهَا وَتَشْمِيسُهَا كَمَا يَكُونُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْعَبْدِ وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ وَلَا لِلْمُرْتَهِنِ قَطْعُهَا قَبْلَ أَوَانِهَا إلَّا بِأَنْ يَرْضَيَا بِهِ، وَإِذَا بَلَغَتْ إبَّانَهَا فَأَيُّهُمَا أَرَادَ قَطْعَهَا جُبِرَ الْآخَرُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَلَاحِهَا فَإِنْ أَبَى الْمَوْضُوعَةُ عَلَى يَدَيْهِ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِأَنْ يَضَعَهَا فِي مَنْزِلِهِ إلَّا بِكِرَاءٍ قِيلَ لِلرَّاهِنِ عَلَيْك لَهَا مَنْزِلٌ تُحْرَزُ فِيهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ صَلَاحِهَا فَإِنْ جِئْت بِهِ، وَإِلَّا اكْتَرَى عَلَيْك مِنْهَا.

بَابُ مَا يُفْسِدُ الرَّهْنَ مِنْ الشَّرْطِ وَمَا لَا يُفْسِدُهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): إنْ اشْتَرَطَ الْمُرْتَهِنُ مِنْ مَنَافِعِ الرَّهْنِ شَيْئًا فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَلَوْ كَانَتْ لَهُ أَلْفٌ فَقَالَ زِدْنِي أَلْفًا عَلَى أَنْ أَرْهَنَك بِهِمَا مَعًا رَهْنًا يَعْرِفَانِهِ كَانَ الرَّهْنُ مَفْسُوخًا. وَلَوْ قَالَ لَهُ: بِعْنِي عَبْدًا بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ أُعْطِيَك بِهَا وَبِالْأَلْفِ الَّتِي لَك عَلَيَّ بِلَا رَهْنٍ دَارِي رَهْنًا فَفَعَلَ كَانَ الْبَيْعُ وَالرَّهْنُ مَفْسُوخًا وَلَوْ أَسْلَفَهُ أَلْفًا عَلَى أَنْ يَرْهَنَهُ بِهَا رَهْنًا وَشَرَطَ الْمُرْتَهِنُ لِنَفْسِهِ مَنْفَعَةَ الرَّهْنِ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ زِيَادَةٌ فِي السَّلَفِ وَلَوْ كَانَ اشْتَرَى مِنْهُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ فَالْبَيْعُ بِالْخِيَارِ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ أَوْ إثْبَاتِهِ وَالرَّهْنِ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ): قُلْت أَنَا: أَصْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ كُلَّ بَيْعٍ فَاسِدٍ بِشَرْطٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ أُجِيزَ حَتَّى يُبْتَدَأَ بِمَا

<<  <   >  >>