كِتَابُ الْوَدِيعَةِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاذَا أَوْدَعَ رَجُلٌ وَدِيعَةً فَأَرَادَ سَفَرًا فَلَمْ يَثِقْ بِأَحَدٍ يَجْعَلُهَا عِنْدَهُ فَسَافَرَ بِهَا بَرًّا أَوْ بَحْرًا ضَمِنَ، وَإِنْ دَفَنَهَا فِي مَنْزِلِهِ، وَلَمْ يُعْلِمْ بِهَا أَحَدًا يَأْتَمِنُهُ عَلَى مَالِهِ فَهَلَكَتْ ضَمِنَ، وَإِذَا أَوْدَعَهَا غَيْرَهُ وَصَاحِبُهَا حَاضِرٌ عِنْدَ سَفَرِهِ ضَمِنَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا فَأَوْدَعَهَا أَمِينًا يُودِعُهُ مَالَهُ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ تَعَدَّى فِيهَا ثُمَّ رَدَّهَا فِي مَوْضِعِهَا فَهَلَكَتْ ضَمِنَ لِخُرُوجِهِ بِالتَّعَدِّي مِنْ الْأَمَانَةِ، وَلَوْ أَوْدَعَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَأَنْفَقَ مِنْهَا دِرْهَمًا ثُمَّ رَدَّهُ فِيهَا وَلَوْ ضَمِنَ الدِّرْهَمَ أَوْدَعَهُ وَأَمَرَهُ بِعَلَفِهَا وَسَقْيِهَا فَأَمَرَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهَا فِي دَارِهِ كَمَا يَفْعَلُ بِدَوَابِّهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ بَعَثَهَا إلَى غَيْرِ دَارِهِ وَهِيَ تُسْقَى فِي دَارِهِ ضَمِنَ. وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِعَلَفِهَا، وَلَا بِسَقْيِهَا، وَلَمْ يَنْهَهُ فَحَبَسَهَا مُدَّةً إذَا أَتَتْ عَلَى مِثْلِهَا لَمْ تَأْكُلْ، وَلَمْ تَشْرَبْ هَلَكَتْ ضَمِنَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ فَتَلِفَتْ لَمْ يَضْمَنْ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ الْحَاكِمُ حَتَّى يُوَكِّلَ مَنْ يَقْبِضُ مِنْهُ النَّفَقَةَ عَلَيْهَا، وَيَكُونَ دَيْنًا عَلَى رَبِّهَا أَوْ يَبِيعَهَا فَإِنْ أَنْفَقَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ وَلَوْ أَوْصَى الْمُودِعُ إلَى أَمِينٍ لَمْ يَضْمَنْ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ أَمِينٍ ضَمِنَ فَإِنْ انْتَقَلَ مِنْ قَرْيَةٍ آهِلَةٍ إلَى غَيْرِ آهِلَة ضَمِنَ.
وَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ فَأَخْرَجَهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ ضَمِنَ فَإِنْ كَانَ ضَرُورَةً وَأَخْرَجَهَا إلَى حِرْزٍ لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ قَالَ الْمُودَعُ أَخْرَجْتُهَا لَمَّا غَشِيَتْنِي النَّارُ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ نَارٌ أَوْ أَثَرٌ يَدُلُّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ. وَلَوْ قَالَ دَفَعْتهَا إلَى فُلَانٍ بِأَمْرِك: فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُودَعِ، وَلَوْ قَالَ دَفَعْتهَا إلَيْك فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُودَعِ وَلَوْ حَوَّلَهَا مِنْ خَرِيطَةٍ إلَى أَحْرَزَ أَوْ مِثْلِ حِرْزِهَا لَمْ يَضْمَنْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حِرْزًا لَهَا ضَمِنَ، وَلَوْ أَكْرَهَهُ رَجُلٌ عَلَى أَخْذِهَا: لَمْ يَضْمَنْ، وَلَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يَرْقُدَ عَلَى صُنْدُوقٍ هِيَ فِيهِ فَرَقَدَ عَلَيْهِ كَانَ قَدْ زَادَهُ حِرْزًا. وَلَوْ قَالَ لَمْ تُودِعْنِي شَيْئًا ثُمَّ قَالَ قَدْ كُنْت اسْتَوْدَعْتَنِيهِ فَهَلَكَ ضَمِنَ، وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يَرْبِطَهَا فِي كُمِّهِ فَأَمْسَكَهَا بِيَدِهِ فَتَلِفَتْ لَمْ يَضْمَنْ، وَيَدُهُ أَحْرَزُ، وَإِذَا هَلَكَ وَعِنْدَهُ وَدِيعَةٌ بِعَيْنِهَا فَهِيَ لِرَبِّهَا، وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ عَيْنِهَا مِثْلَ دَنَانِيرَ أَوْ مَا لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ حَاصَّ رَبُّ الْوَدِيعَةِ الْغُرَمَاءَ وَلَوْ ادَّعَى رَجُلَانِ الْوَدِيعَةَ مِثْلَ عَبْدٍ أَوْ بَعِيرٍ فَقَالَ هِيَ لِأَحَدِكُمَا، وَلَا أَدْرِي أَيَّكُمَا هُوَ قِيلَ لَهُمَا هَلْ تَدَّعِيَانِ شَيْئًا غَيْرَ هَذَا بِعَيْنِهِ؟ فَإِنْ قَالَا لَا أُحْلِفَ الْمُودَعُ بِاَللَّهِ مَا يَدْرِي أَيَّهُمَا هُوَ، وَوَقَفَ ذَلِكَ لَهُمَا جَمِيعًا حَتَّى يَصْطَلِحَا فِيهِ أَوْ يُقِيمَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً وَأَيُّهُمَا حَلَفَ مَعَ نُكُولِ صَاحِبِهِ كَانَ لَهُ.
مُخْتَصَرٌ مِنْ كِتَابِ قَسْمِ الْفَيْءِ وَقَسْمِ الْغَنَائِمِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَصْلُ مَا يَقُومُ بِهِ الْوُلَاةُ مِنْ جُمَلِ الْمَالِ ثَلَاثَةُ وُجُوهٍ أَحَدُهَا مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ مُسْلِمٍ تَطْهِيرًا لَهُ فَذَلِكَ لِأَهْلِ الصَّدَقَاتِ لَا لِأَهْلِ الْفَيْءِ وَالْوَجْهَانِ الْآخَرَانِ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ مُشْرِكٍ كِلَاهُمَا مُبَيَّنٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِعْلِهِ. فَأَحَدُهُمَا الْغَنِيمَةُ قَالَ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} الْآيَةَ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: هُوَ الْفَيْءُ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} الْآيَةَ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَالْغَنِيمَةُ وَالْفَيْءُ يَجْتَمِعَانِ فِي أَنَّ فِيهِمَا مَعًا الْخُمُسَ مِنْ جَمِيعِهِمَا لِمَنْ سَمَّاهُ اللَّهُ - تَعَالَى - لَهُ فِي الْآيَتَيْنِ مَعًا سَوَاءٌ ثُمَّ تَفْتَرِقُ الْأَحْكَامُ فِي الْأَرْبَعَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute