وَالتُّجَّارُ وَالْأُسَارَى لَا إمَامَ لَهُمْ وَلَا امْتِنَاعَ وَنَزْعُمُ لَوْ قَتَلَ أَهْلُ الْبَغْيِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِلَا شُبْهَةٍ أَقَدْت مِنْهُمْ قَالَ: وَلَكِنَّ الدَّارَ مَمْنُوعَةٌ مِنْ أَنْ يُجْرَى عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ، قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ مُحَارَبِينَ امْتَنَعُوا فِي مَدِينَةٍ حَتَّى لَا يُجْرَى عَلَيْهِمْ حُكْمٌ فَقَطَعُوا الطَّرِيقَ وَسَفَكُوا الدِّمَاءَ وَأَخَذُوا الْأَمْوَالَ وَأَتَوْا الْحُدُودَ؟ قَالَ: يُقَامُ هَذَا كُلُّهُ عَلَيْهِمْ، قُلْت: فَهَذَا تَرْكُ مَعْنَاك وَقُلْت لَهُ: أَيَكُونُ عَلَى الْمَدَنِيِّينَ قَوْلُهُمْ: لَا يَرِثُ قَاتِلُ عَمْدٍ وَيَرِثُ قَاتِلُ خَطَأٍ إلَّا مِنْ الدِّيَةِ؟ فَقُلْت: لَا يَرِثُ الْقَاتِلُ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ اسْمُ قَاتِلٍ فَكَيْفَ لَمْ تَقُلْ بِهَذَا فِي الْقَاتِلِ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَالْعَدْلِ؛ لِأَنَّ كُلًّا يَلْزَمُهُ اسْمُ قَاتِلٍ وَأَنْتَ تُسَوِّي بَيْنَهُمَا فَلَا تُقِيدُ أَحَدًا بِصَاحِبِهِ؟.
بَابُ حُكْمِ الْمُرْتَدِّ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمَنْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ إلَى أَيِّ كُفْرٍ كَانَ مَوْلُودًا عَلَى الْإِسْلَامِ أَوْ أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ قُتِلَ وَأَيُّ كُفْرٍ ارْتَدَّ إلَيْهِ مِمَّا يُظْهِرُ أَوْ يُسِرُّ مِنْ الزَّنْدَقَةِ ثُمَّ تَابَ لَمْ يُقْتَلْ فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ امْرَأَةً كَانَتْ أَوْ رَجُلًا عَبْدًا كَانَ أَوْ حُرًّا (وَقَالَ فِي الثَّانِي) فِي اسْتِتَابَتِهِ ثَلَاثًا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا حَدِيثُ عُمَرَ يُتَأَنَّى بِهِ ثَلَاثًا وَالْآخَرُ لَا يُؤَخَّرُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْمُرْ فِيهِ بِأَنَاةٍ وَهُوَ لَوْ تَأَنَّى بِهِ بَعْدَ ثَلَاثٍ كَهَيْئَتِهِ قَبْلَهَا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا ظَاهِرُ الْخَبَرِ (قَالَ الْمُزَنِيّ) وَأَصْلُهُ الظَّاهِرُ وَهُوَ أَقْيَسُ عَلَى أَصْلِهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَيُوقَفُ مَالُهُ وَإِذَا قُتِلَ فَمَالُهُ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِهِ وَجِنَايَتِهِ وَنَفَقَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ فَيْءٌ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ وَكَمَا لَا يَرِثُ مُسْلِمًا لَا يَرِثُهُ مُسْلِمٌ وَيُقْتَلُ السَّاحِرُ إنْ كَانَ مَا يَسْحَرُ بِهِ كُفْرًا إنْ لَمْ يَتُبْ.
(قَالَ): وَيُقَالُ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ وَقَالَ: أَنَا أُطِيقُهَا وَلَا أُصَلِّيهَا لَا يَعْمَلُهَا غَيْرُك فَإِنْ فَعَلْت وَإِلَّا قَتَلْنَاك كَمَا تَتْرُكُ الْإِيمَانَ وَلَا يَعْمَلُهُ غَيْرُك فَإِنْ آمَنْت وَإِلَّا قَتَلْنَاك وَمَنْ قَتَلَ مُرْتَدًّا قَبْلَ أَنْ يُسْتَتَابَ أَوْ جَرَحَهُ فَأَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ مِنْ الْجُرْحِ فَلَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ وَيُعَزَّرُ الْقَاتِلُ؛ لِأَنَّ الْمُتَوَلِّيَ لِقَتْلِهِ بَعْدَ اسْتِتَابَتِهِ الْحَاكِمُ.
(قَالَ): وَلَا يُسْبَى لِلْمُرْتَدِّينَ ذُرِّيَّةٌ وَإِنْ لَحِقُوا بِدَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْإِسْلَامِ قَدْ ثَبَتَتْ لَهُمْ وَلَا ذَنْبَ لَهُمْ فِي تَبْدِيلِ آبَائِهِمْ وَمَنْ بَلَغَ مِنْهُمْ إنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ وَمَنْ وُلِدَ لِلْمُرْتَدِّينَ فِي الرِّدَّةِ لَمْ يُسْبَ؛ لِأَنَّ آبَاءَهُمْ لَمْ يُسْبَوْا وَإِنْ ارْتَدَّ مُعَاهَدُونَ وَلَحِقُوا بِدَارِ الْحَرْبِ وَعِنْدَنَا لَهُمْ ذَرَارِيُّ لَمْ نَسْبِهِمْ، وَقُلْنَا: إذَا بَلَغُوا لَكُمْ الْعَهْدُ إنْ شِئْتُمْ وَإِلَّا نَبَذْنَا إلَيْكُمْ ثُمَّ أَنْتُمْ حَرْبٌ. وَإِنْ ارْتَدَّ سَكْرَانُ فَمَاتَ كَانَ مَالُهُ فَيْئًا وَلَا يُقْتَلُ إنْ لَمْ يَتُبْ حَتَّى يَمْتَنِعَ مُفِيقًا.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) قُلْت: إنَّ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى طَلَاقِ السَّكْرَانِ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ بِالرِّدَّةِ فَأَنْكَرَهُ قِيلَ: إنْ أَقْرَرْت بِأَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَتَبْرَأُ مِنْ كُلِّ دِينٍ خَالَفَ دِينَ الْإِسْلَامِ لَمْ يُكْشَفْ عَنْ غَيْرِهِ وَمَا جَرَحَ أَوْ أَفْسَدَ فِي رِدَّتِهِ أُخِذَ بِهِ وَإِنْ جَرَحَ مُرْتَدًّا ثُمَّ جَرَحَ مُسْلِمًا فَمَاتَ فَعَلَى مَنْ جَرَحَهُ مُسْلِمًا نِصْفُ الدِّيَةِ. .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute