للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بَابُ مَنْ يُعْتَقُ مِنْ مَمَالِيكِهِ إذَا حَنِثَ أَوْ حَلَفَ بِعِتْقِ عَبْدٍ فَبَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: مَنْ حَلَفَ بِعِتْقِ مَا يَمْلِكُ وَلَهُ أُمَّهَاتُ أَوْلَادٍ وَمُدَبَّرُونَ وَأَشْقَاصٌ مِنْ عَبِيدٍ عَتَقُوا عَلَيْهِ إلَّا الْمُكَاتَبَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُكَاتَبَ خَارِجٌ مِنْ مِلْكِهِ بِمَعْنًى وَدَاخِلٌ فِيهِ بِمَعْنًى وَهُوَ مَحُولٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخْذِ مَالِهِ وَاسْتِخْدَامِهِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَلَا زَكَاةِ الْفِطْرِ فِي رَقِيقِهِ وَلَيْسَ كَذَا أُمُّ وَلَدِهِ وَلَا مُدَبَّرُهُ.

وَلَوْ حَلَفَ بِعِتْقِ عَبْدِهِ لَيَضْرِبَنَّهُ غَدًا فَبَاعَهُ الْيَوْمَ فَلَمَّا مَضَى غَدٌ اشْتَرَاهُ فَلَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ إذَا وَقَعَ مَرَّةً لَمْ يَحْنَثْ ثَانِيَةً، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ إنْ بِعْتُك فَبَاعَهُ بَيْعًا لَيْسَ بِبَيْعِ خِيَارٍ فَهُوَ حُرٌّ حِينَ عَقَدَ الْبَيْعَ وَإِنَّمَا زَعَمْته مِنْ قِبَلِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، قَالَ وَتَفَرُّقُهُمَا بِالْأَبْدَانِ فَقَالَ: فَكَانَ لَوْ أَعْتَقَهُ عَتَقَ فَيُعْتَقُ بِالْحِنْثِ وَلَوْ قَالَ: إنْ زَوَّجْتُك أَوْ بِعْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ، فَزَوَّجَهُ أَوْ بَاعَهُ بَيْعًا فَاسِدًا لَمْ يَحْنَثْ.

بَابُ جَامِعِ الْأَيْمَانِ الثَّانِي

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الرُّءُوسَ فَأَكَلَ رُءُوسَ الْحِيتَانِ أَوْ رُءُوسَ الطَّيْرِ أَوْ رُءُوسَ شَيْءٍ يُخَالِفُ رُءُوسَ الْغَنَمِ وَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ لَمْ يَحْنَثْ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الَّذِي يَعْرِفُ النَّاسُ إذَا خُوطِبُوا بِأَكْلِ الرُّءُوسِ إنَّمَا هِيَ مَا وَصَفْنَا إلَّا أَنْ يَكُونَ بِلَادٌ لَهَا صَيْدٌ يَكْثُرُ كَمَا يَكْثُرُ لَحْمُ الْأَنْعَامِ فِي السُّوقِ وَتُمَيَّزُ رُءُوسُهَا فَيَحْنَثُ فِي رُءُوسِهَا، وَكَذَلِكَ الْبَيْضُ وَهُوَ بَيْضُ الدَّجَاجِ وَالْإِوَزِّ وَالنَّعَامِ الَّذِي يُزَايِلُ بَائِضَهُ حَيًّا فَأَمَّا بَيْضُ الْحِيتَانِ فَلَا يَكُونُ هَكَذَا.

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا حَنِثَ بِلَحْمِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْوَحْشِ وَالطَّيْرِ؛ لِأَنَّهُ كُلُّهُ لَحْمٌ وَلَا يَحْنَثُ فِي لَحْمِ الْحِيتَانِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِالْأَغْلَبِ.

وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَشْرَبَ سَوِيقًا فَأَكَلَهُ أَوْ لَا يَأْكُلَ خُبْزًا فَمَاثَّهُ فَشَرِبَهُ أَوْ لَا يَشْرَبَ شَيْئًا فَذَاقَهُ فَدَخَلَ بَطْنَهُ لَمْ يَحْنَثْ.

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَمْنًا فَأَكَلَهُ بِالْخُبْزِ أَوْ بِالْعَصِيدَةِ أَوْ بِالسَّوِيقِ حَنِثَ؛ لِأَنَّ السَّمْنَ لَا يَكُونُ مَأْكُولًا إلَّا بِغَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَامِدًا فَيَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَأْكُلَهُ جَامِدًا مُفْرَدًا.

وَإِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذِهِ التَّمْرَةَ فَوَقَعَتْ فِي تَمْرٍ فَإِنْ أَكَلَهُ إلَّا تَمْرَةً أَوْ هَلَكَتْ مِنْهُ تَمْرَةٌ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ أَنَّهُ أَكَلَهَا وَالْوَرَعُ أَنْ يُحْنِثَ نَفْسَهُ.

وَإِذَا حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ هَذِهِ الْحِنْطَةَ فَطَحَنَهَا أَوْ خَبَزَهَا أَوْ قَلَاهَا فَجَعَلَهَا سَوِيقًا لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ قَمْحٍ.

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ شَحْمًا وَلَا شَحْمًا فَأَكَلَ لَحْمًا أَوْ رُطَبًا فَأَكَلَ تَمْرًا أَوْ تَمْرًا فَأَكَلَ رُطَبًا أَوْ زُبْدًا فَأَكَلَ لَبَنًا لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا غَيْرُ صَاحِبِهِ.

وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ رَجُلًا ثُمَّ سَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِيهِمْ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ، وَلَوْ كَتَبَ إلَيْهِ كِتَابًا أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا فَالْوَرَعُ أَنْ يَحْنَثَ وَلَا يُبَيِّنَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ وَالْكِتَابَ غَيْرُ الْكَلَامِ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا عِنْدِي بِهِ وَبِالْحَقِّ أَوْلَى قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} إلَى قَوْلِهِ {بُكْرَةً وَعَشِيًّا} فَأَفْهَمَهُمْ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْكَلَامِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ وَقَدْ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ الْهِجْرَةَ مُحَرَّمَةٌ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَلَوْ كَتَبَ أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى كَلَامِهِ لَمْ يُخْرِجْهُ هَذَا مِنْ الْهِجْرَةِ الَّتِي يَأْثَمُ بِهَا.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَلَوْ كَانَ الْكِتَابُ كَلَامًا لَخَرَجَ بِهِ مِنْ الْهِجْرَةِ فَتَفَهَّمْ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ حَلَفَ لَا يَرَى كَذَا إلَّا رَفَعَهُ إلَى قَاضٍ فَرَآهُ فَلَمْ يُمْكِنْهُ رَفْعُهُ إلَيْهِ حَتَّى مَاتَ ذَلِكَ الْقَاضِي لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يُمْكِنَهُ فَيُفَرِّطَ وَإِنْ عُزِلَ فَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ أَنْ يَرْفَعَهُ إلَيْهِ إنْ كَانَ قَاضِيًا فَلَا

<<  <   >  >>