كِتَابُ الْعِدَدِ
عِدَّةُ الْمَدْخُولِ بِهَا مِنْ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ الْعِدَدِ وَمِنْ كِتَابِ الرَّجْعَةِ وَالرِّسَالَةِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} قَالَ: وَالْأَقْرَاءُ عِنْدَهُ الْأَطْهَارُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - بِدَلَالَتَيْنِ أُولَاهُمَا: الْكِتَابُ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ وَالْأُخْرَى اللِّسَانُ.
(قَالَ): قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي غَيْرِ حَدِيثٍ «لَمَّا طَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ يَرْتَجِعُهَا فَإِذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْ أَوْ لِيُمْسِك» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِقِبَلِ عِدَّتِهِنَّ أَوْ فِي قِبَلِ عِدَّتِهِنَّ» الشَّافِعِيُّ شَكَّ فَأَخْبَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ الْعِدَّةَ الْأَطْهَارُ دُونَ الْحَيْضِ وَقَرَأَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِقِبَلِ عِدَّتِهِنَّ وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تَسْتَقْبِلُ عِدَّتَهَا، وَلَوْ طَلُقَتْ حَائِضًا لَمْ تَكُنْ مُسْتَقْبِلَةً عِدَّتَهَا إلَّا مِنْ بَعْدِ الْحَيْضِ وَالْقُرْءُ اسْمٌ وُضِعَ لِمَعْنًى فَلَمَّا كَانَ الْحَيْضُ دَمًا يُرْخِيهِ الرَّحِمُ فَيَخْرُجُ وَالطُّهْرُ دَمًا يُحْتَبَسُ فَلَا يَخْرُجُ كَانَ مَعْرُوفًا مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ أَنَّ الْقُرْءَ الْحَبْسُ تَقُولُ الْعَرَبُ: هُوَ يُقْرِي الْمَاءَ فِي حَوْضِهِ وَفِي سِقَائِهِ وَتَقُولُ هُوَ يُقْرِي الطَّعَامَ فِي شِدْقِهِ وَقَالَتْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - هَلْ تَدْرُونَ مَا الْأَقْرَاءُ الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ وَقَالَتْ إذَا طَعَنَتْ الْمُطَلَّقَةُ فِي الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ وَالنِّسَاءُ بِهَذَا أَعْلَمُ وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَابْنُ عُمَرَ إذَا دَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فَقَدْ بَرِئَتْ وَبَرِئَ مِنْهَا وَلَا تَرِثُهُ وَلَا يَرِثُهَا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَالْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا إلَّا وَقَدْ مَضَى بَعْضُ الطُّهْرِ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} وَكَانَ شَوَّالُ وَذُو الْقَعْدَةِ كَامِلَيْنِ وَبَعْضُ ذِي الْحِجَّةِ كَذَلِكَ الْأَقْرَاءُ طُهْرَانِ كَامِلَانِ وَبَعْضُ طُهْرٍ وَلَيْسَ فِي الْكِتَابِ وَلَا فِي السُّنَّةِ لِلْغُسْلِ بَعْدَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ مَعْنًى تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ.
وَلَوْ طَلَّقَهَا طَاهِرًا قَبْلَ جِمَاعٍ أَوْ بَعْدَهُ ثُمَّ حَاضَتْ بَعْدَهُ بِطَرْفَةٍ فَذَلِكَ قُرْءٌ وَتُصَدَّقُ عَلَى ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ فِي أَقَلَّ مَا يُمْكِنُ وَأَقَلُّ مَا عَلِمْنَاهُ مِنْ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِي الْخَبَرِ وَالْعِلْمِ وَقَدْ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ يَوْمًا بِلَيْلَةٍ فَيَكُونُ الْمُفَسَّرُ مِنْ قَوْلٍ يَقْضِي عَلَى الْمُجْمَلِ وَهَكَذَا أَصْلُهُ فِي الْعِلْمِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ عَلِمْنَا أَنَّ طُهْرَ امْرَأَةٍ أَقَلُّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ جَعَلْنَا الْقَوْلَ فِيهِ قَوْلَهَا وَكَذَلِكَ تُصَدَّقُ عَلَى الصِّدْقِ، وَلَوْ رَأَتْ الدَّمَ فِي الثَّلَاثَةِ دَفْعَةً ثُمَّ ارْتَفَعَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً أَوْ أَكْثَرَ فَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ الَّذِي رَأَتْ فِيهِ الدَّفْعَةَ فِي أَيَّامِ حَيْضِهَا وَرَأَتْ صُفْرَةً أَوْ كُدْرَةً أَوْ لَمْ تَرَ طُهْرًا حَتَّى يُكْمِلَ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَهُوَ حَيْضٌ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ فَكَذَلِكَ إذَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ رُؤْيَتِهَا الدَّمَ وَالْحَيْضَ قَبْلَهُ قَدْرُ طُهْرٍ، وَإِنْ رَأَتْ الدَّمَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَمْ يَكُنْ حَيْضًا، وَلَوْ طَبَقَ عَلَيْهَا فَإِنْ كَانَ دَمُهَا يَنْفَصِلُ فَيَكُونُ فِي أَيَّامٍ أَحْمَرَ قَانِيًا مُحْتَدِمًا كَثِيرًا وَفِي أَيَّامٍ بَعْدَهُ رَقِيقًا إلَى الصُّفْرَةِ فَحَيْضُهَا أَيَّامُ الْمُحْتَدِمِ الْكَثِيرِ وَطُهْرُهَا أَيَّامُ الرَّقِيقِ الْقَلِيلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute