للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كِتَابُ الظِّهَارِ

بَابُ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الظِّهَارُ وَمَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَيْ ظِهَارٍ قَدِيمٍ وَجَدِيدٍ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} الْآيَةَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَكُلُّ زَوْجٍ جَازَ طَلَاقُهُ وَجَرَى عَلَيْهِ الْحُكْمُ مِنْ بَالِغٍ جَرَى عَلَيْهِ الظِّهَارُ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا أَوْ ذِمِّيًّا وَفِي امْرَأَتِهِ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ يَقْدِرُ عَلَى جِمَاعِهَا أَوْ لَا يَقْدِرُ بِأَنْ تَكُونَ حَائِضًا أَوْ مُحَرَّمَةً أَوْ رَتْقَاءَ أَوْ صَغِيرَةً أَوْ فِي عِدَّةٍ يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا فَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الَّتِي يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا أَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ إنْ رَاجَعَهَا؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: لَوْ تَظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ اتَّبَعَ التَّظْهِيرَ طَلَاقًا مَلَكَ فِيهِ الرَّجْعَةَ فَلَا حُكْمَ لِلْإِيلَاءِ حَتَّى يَرْتَجِعَ فَإِذَا ارْتَجَعَ رَجَعَ حُكْمُ الْإِيلَاءِ، وَقَدْ جَمَعَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَهُمَا حَيْثُ يَلْزَمَانِ وَحَيْثُ يَسْقُطَانِ وَفِي هَذَا لِمَا وَصَفْت بَيَانٌ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَلَوْ تَظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ أَمَةٌ ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَسَدَ النِّكَاحُ وَالظِّهَارُ بِحَالِهِ لَا يَقْرَبُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ؛ لِأَنَّهَا لَزِمَتْهُ وَهِيَ زَوْجَةٌ.

وَلَا يَلْزَمُ الْمَغْلُوبَ عَلَى عَقْلِهِ إلَّا مِنْ سُكْرٍ (وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ) فِي ظِهَارِ السَّكْرَانِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُ. وَالْآخَرُ لَا يَلْزَمُهُ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَلْزَمُهُ أَوْلَى وَأَشْبَهُ بِأَقَاوِيلِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَشْبَهُ بِالْحَقِّ عِنْدِي إذَا كَانَ لَا يُمَيِّزُ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِلَّة جَوَازِ الطَّلَاقِ عِنْدَهُ إرَادَةُ الْمُطَلِّقِ وَلَا طَلَاقَ عِنْدَهُ عَلَى مُكْرَهٍ لِارْتِفَاعِ إرَادَتِهِ وَالسَّكْرَانُ الَّذِي لَا يَعْقِلُ مَعْنَى مَا يَقُولُ لَا إرَادَةَ لَهُ كَالنَّائِمِ، فَإِنْ قِيلَ: لِأَنَّهُ أَدْخَلَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ قِيلَ: أَوْ لَيْسَ وَإِنْ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَهُوَ فِي مَعْنَى مَا أَدْخَلَهُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ ذَهَابِ عَقْلِهِ وَارْتِفَاعِ إرَادَته، وَلَوْ افْتَرَقَ حُكْمُهُمَا فِي الْمَعْنَى الْوَاحِدِ لِاخْتِلَافِ نِسْبَتِهِ مِنْ نَفْسِهِ وَمِنْ غَيْرِهِ لَاخْتَلَفَ حُكْمُ مَنْ جُنَّ بِسَبَبِ نَفْسِهِ وَحُكْمُ مَنْ جُنَّ بِسَبَبٍ غَيْرِهِ فَيَجُوزُ بِذَلِكَ طَلَاقُ بَعْضِ الْمَجَانِين فَإِنْ قِيلَ: فَفَرْضُ الصَّلَاةِ يَلْزَمُ السَّكْرَانَ وَلَا يَلْزَمُ الْمَجْنُونَ قِيلَ: وَكَذَلِكَ فَرْضُ الصَّلَاةِ يَلْزَمُ النَّائِمَ وَلَا يَلْزَمُ الْمَجْنُونَ فَهَلْ يُجِيزُ طَلَاقَ النَّوْمِ لِوُجُوبِ فَرْضِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ فَإِنْ قِيلَ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْقِلُ قِيلَ: وَكَذَلِكَ طَلَاقُ السَّكْرَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْقِلُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} فَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَلَاةٌ حَتَّى يَعْلَمَهَا وَيُرِيدَهَا وَكَذَلِكَ لَا طَلَاقَ لَهُ وَلَا ظِهَارَ حَتَّى يَعْلَمَهُ وَيُرِيدَهُ وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إذَا ارْتَدَّ سَكْرَانُ لَمْ يُسْتَتَبْ فِي سُكْرِهِ وَلَمْ يُقْتَلْ فِيهِ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي ذَلِكَ دَلِيلُ أَنْ لَا حُكْمَ لِقَوْلِهِ لَا أَتُوبُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْقِلُ مَا يَقُولُ فَكَذَلِكَ هُوَ فِي الطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ لَا يَعْقِلُ مَا يَقُولُ فَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ.

(قَالَ): وَلَوْ تَظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ تَرَكَهَا أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ مُتَظَاهِرٌ وَلَا إيلَاءَ عَلَيْهِ يُوقِفُ لَهُ لَا يَكُونُ الْمُتَظَاهِرُ بِهِ مُولِيًا وَلَا الْمُولِي بِالْإِيلَاءِ مُتَظَاهِرًا وَهُوَ مُطِيعٌ لِلَّهِ تَعَالَى بِتَرْكِ الْجِمَاعِ فِي الظِّهَارِ عَاصٍ لَهُ لَوْ جَامَعَ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ وَعَاصٍ بِالْإِيلَاءِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مُضَارًّا بِتَرْكِ الْكَفَّارَةِ أَوْ غَيْرَ مُضَارٍّ إلَّا أَنَّهُ يَأْثَمُ بِالضِّرَارِ كَمَا يَأْثَمُ لَوْ آلَى أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ يُرِيدُ ضِرَارًا وَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْإِيلَاءِ وَلَا بِحَالِ حُكْمِ اللَّهِ عَمَّا أَنْزَلَ فِيهِ، وَلَوْ تَظَاهَرَ يُرِيدُ

<<  <   >  >>