بَابُ تَعْجِيلِ الصَّدَقَةِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَسْلَفَ مِنْ رَجُلٍ بِكْرًا فَجَاءَتْهُ إبِلٌ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ قَالَ أَبُو رَافِعٍ فَأَمَرَنِي أَنْ أَقْضِيَهُ إيَّاهَا» (قَالَ الشَّافِعِيُّ): الْعِلْمُ يُحِيطُ أَنَّهُ لَا يَقْضِي مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ وَالصَّدَقَةُ لَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا وَقَدْ تَسَلَّفَ لِأَهْلِهَا مَا يَقْضِيهِ مِنْ مَالِهِمْ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَالِفِ بِاَللَّهِ «فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ» وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَحْلِفُ وَيُكَفِّرُ، ثُمَّ يَحْنَثُ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَبْعَثُ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ إلَى الَّذِي تُجْمَعُ عِنْدَهُ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمَيْنِ.
(قَالَ): فَبِهَذَا نَأْخُذُ (قَالَ الْمُزَنِيّ): وَنَجْعَلُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَا هُوَ أَوْلَى بِهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَسَلَّفَ صَدَقَةَ الْعَبَّاسِ قَبْلَ حُلُولِهَا» (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا تَسَلَّفَ الْوَالِي لَهُمْ فَهَلَكَ مِنْهُ قَبْلَ دَفْعِهِ إلَيْهِمْ وَقَدْ فَرَّطَ، أَوْ لَمْ يُفَرِّطْ فَهُوَ ضَامِنٌ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِمْ أَهْلَ رُشْدٍ لَا يُوَلَّى عَلَيْهِمْ وَلَيْسَ كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ الَّذِي يَأْخُذُ لَهُ مَا لَا صَلَاحَ لَهُ إلَّا بِهِ.
وَلَوْ اسْتَسْلَفَ لِرَجُلَيْنِ بَعِيرًا فَأَتْلَفَاهُ وَمَاتَا قَبْلَ الْحَوْلِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ أَمْوَالِهِمَا لِأَهْلِ السُّهْمَانِ لِأَنَّهُمَا لَمَّا لَمْ يَبْلُغَا الْحَوْلَ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُمَا فِي صَدَقَةٍ قَدْ حَلَّتْ فِي حَوْلٍ لَمْ يَبْلُغَاهُ، وَلَوْ مَاتَا بَعْدَ الْحَوْلِ كَانَا قَدْ اسْتَوْفَيَا الصَّدَقَةَ، وَلَوْ أَيْسَرَا قَبْلَ الْحَوْلِ، فَإِنْ كَانَ يُسْرُهُمَا مِمَّا دَفَعَ إلَيْهِمَا فَإِنَّمَا بُورِكَ لَهُمَا فِي حَقِّهِمَا فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَ يُسْرُهُمَا مِنْ غَيْرِ مَا أَخَذَا أُخِذَ مِنْهُمَا مَا دَفَعَ إلَيْهِمَا لِأَنَّ الْحَوْلَ لَمْ يَأْتِ إلَّا وَهُمَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الصَّدَقَةِ.
وَلَوْ عَجَّلَ رَبُّ الْمَالِ زَكَاةَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ قَبْلَ الْحَوْلِ وَهَلَكَ مَالُهُ قَبْلَ الْحَوْلِ فَوَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ عِنْدَ الْمُعْطَى لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَعْطَى مِنْ مَالِهِ مُتَطَوِّعًا لِغَيْرِ ثَوَابٍ، وَلَوْ مَاتَ الْمُعْطَى قَبْلَ الْحَوْلِ وَفِي يَدَيْ رَبِّ الْمَالِ مِائَتَا دِرْهَمٍ إلَّا خَمْسَةَ دَرَاهِمَ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ وَمَا أَعْطَى كَمَا تَصَدَّقَ بِهِ، أَوْ أَنْفَقَهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى.
وَلَوْ كَانَ رَجُلٌ لَهُ مَالٌ لَا تَجِبُ فِي مِثْلِهِ الزَّكَاةُ فَأَخْرَجَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ فَقَالَ إنْ أَفَدْت مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَهَذِهِ زَكَاتُهَا لَمْ يَجُزْ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَهَا بِلَا سَبَبِ مَالٍ تَجِبُ فِي مِثْلِهِ الزَّكَاةُ فَيَكُونُ قَدْ عَجَّلَ شَيْئًا لَيْسَ عَلَيْهِ إنْ حَالَ عَلَيْهِ فِيهِ حَوْلٌ.
وَإِذَا عَجَّلَ شَاتَيْنِ مِنْ مِائَتَيْ شَاةٍ فَحَالَ الْحَوْلُ وَقَدْ زَادَتْ شَاةً أَخَذَ مِنْهَا شَاةً ثَالِثَةً فَيَجْزِي عَنْهُ مَا أَعْطَى مِنْهُ وَلَا يُسْقِطُ تَقْدِيمُهُ الشَّاتَيْنِ الْحَقَّ عَلَيْهِ فِي الشَّاةِ الثَّالِثَةِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْحَوْلِ كَمَا لَوْ أَخَذَ مِنْهَا شَاتَيْنِ فَحَالَ الْحَوْلُ وَلَيْسَ فِيهَا إلَّا شَاةٌ رَدَّ عَلَيْهِ شَاةً.
بَابُ النِّيَّةِ فِي إخْرَاجِ الصَّدَقَةِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا وَلَّى إخْرَاجَ زَكَاتِهِ لَمْ يَجْزِهِ إلَّا بِنِيَّةِ أَنَّهُ فَرْضٌ وَلَا يُجْزِئُهُ ذَهَبٌ عَنْ وَرِقٍ وَلَا وَرِقٌ عَنْ ذَهَبٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ.
وَلَوْ أَخْرَجَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَقَالَ إنْ كَانَ مَالِي الْغَائِبُ سَالِمًا فَهَذِهِ زَكَاتُهُ أَوْ نَافِلَةٌ فَكَانَ مَالُهُ سَالِمًا لَمْ يُجْزِئْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِالنِّيَّةِ قَصْدَ فَرْضٍ خَالِصٍ إنَّمَا جَعَلَهَا مُشْتَرِكَةً بَيْنَ فَرْضٍ وَنَافِلَةٍ، وَلَوْ قَالَ عَنْ مَالِي الْغَائِبِ إنْ كَانَ سَالِمًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَالِمًا فَنَافِلَةٌ أَجْزَأَتْ عَنْهُ؛ لِأَنَّ إعْطَاءَهُ عَنْ الْغَائِبِ هَكَذَا وَإِنْ لَمْ يَقُلْهُ، وَلَوْ أَخْرَجَهَا لِيَقْسِمَهَا وَهِيَ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فَهَلَكَ مَالُهُ كَانَ لَهُ حَبْسُ الدَّرَاهِمِ، وَلَوْ ضَاعَتْ مِنْهُ الَّتِي أَخْرَجَهَا مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ رَجَعَ إلَى مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي مِثْلِهِ الزَّكَاةُ زَكَّاهُ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِذَا أَخَذَ الْوَالِي مِنْ رَجُلٍ زَكَاتَهُ بِلَا نِيَّةٍ فِي دَفْعِهَا إلَيْهِ أَجْزَأَتْ عَنْهُ كَمَا يُجْزِئُ فِي الْقَسْمِ لَهَا أَنْ يَقْسِمَهَا عَنْهُ وَلِيُّهُ، أَوْ السُّلْطَانُ وَلَا يَقْسِمُهَا بِنَفْسِهِ وَأُحِبُّ أَنْ يَتَوَلَّى الرَّجُلُ قَسْمَهَا عَنْ نَفْسِهِ لِيَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَدَائِهَا عَنْهُ.