للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَابُ كَسْبِ الْحَجَّامِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَا بَأْسَ بِكَسْبِ الْحَجَّامِ فَإِنْ قِيلَ: فَمَا مَعْنَى نَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السَّائِلَ عَنْ كَسْبِهِ وَإِرْخَاصِهِ فِي أَنْ يُطْعِمَهُ رَقِيقَهُ وَنَاضِحَهُ؟ قِيلَ: لَا مَعْنَى لَهُ إلَّا وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّ الْمَكَاسِبَ حَسَنٌ وَدَنِيءٌ فَكَانَ كَسْبُ الْحَجَّامِ دَنِيئًا فَأُحِبُّ لَهُ تَنْزِيهَ نَفْسِهِ عَنْ الدَّنَاءَةِ لِكَثْرَةِ الْمَكَاسِبِ الَّتِي هِيَ أَجْمَلُ مِنْهُ فَلَمَّا زَادَهُ فِيهِ أَمَرَهُ أَنْ يَعْلِفَهُ نَاضِحَهُ وَيُطْعِمَهُ رَقِيقَهُ تَنْزِيهًا لَهُ لَا تَحْرِيمًا عَلَيْهِ، وَقَدْ حَجَمَ أَبُو طَيْبَةَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْطِي إلَّا مَا يَحِلُّ إعْطَاؤُهُ وَلِآخِذِهِ مِلْكُهُ.

وَقَدْ رُوِيَ أَنْ رَجُلًا ذَا قَرَابَةٍ لِعُثْمَانَ قَدِمَ عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْ مَعَاشِهِ فَذَكَرَ لَهُ غَلَّةَ حَجَّامٍ أَوْ حَجَّامِينَ فَقَالَ: إنَّ كَسْبَكُمْ لَوَسَخٌ، أَوْ قَالَ: لَدَنَسٌ أَوْ لَدَنِيءٌ أَوْ كَلِمَةً تُشْبِهُهَا.

بَابُ مَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَا يَجُوزُ لِلْمُضْطَرِّ مِنْ الْمَيْتَةِ مِنْ غَيْرِ كِتَابٍ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَلَا يَحِلُّ أَكْلُ زَيْتٍ مَاتَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ وَلَا بَيْعُهُ وَيُسْتَصْبَحُ بِهِ فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَا يَبِيعُهُ؟ قِيلَ: قَدْ يَنْتَفِعُ الْمُضْطَرُّ بِالْمَيْتَةِ وَلَا يَبِيعُهَا وَيَنْتَفِعُ بِالطَّعَامِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَا يَبِيعُهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ، قَالَ: وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَأَبَاحَ الِانْتِفَاعَ بِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ فَغَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ أَنْ يَنْتَفِعَ الرَّجُلُ بِالزَّيْتِ وَلَا يَبِيعَهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ

قَالَ وَلَا يَحِلُّ مِنْ الْمَيْتَةِ إلَّا إهَابُهَا بِالدِّبَاغِ وَيُبَاعُ وَلَا يَأْكُلُ الْمُضْطَرُّ مِنْ الْمَيْتَةِ إلَّا مَا يَرُدُّ نَفْسَهُ فَيَخْرُجُ بِهِ مِنْ الِاضْطِرَارِ.

(قَالَ): فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ بِهَذَا أَقُولُ (وَقَالَ) فِيهِ وَمَا هُوَ بِالْبَيِّنِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الشَّيْءَ حَلَالٌ وَحَرَامٌ، فَإِذَا كَانَ حَرَامًا لَمْ يَحِلَّ مِنْهُ شَيْءٌ وَإِذَا كَانَ حَلَالًا فَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُحَرَّمَ مِنْهُ شِبَعٌ وَلَا غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِيهِ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) قَوْلُهُ الْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِأَصْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: إذَا حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا فَهُوَ مُحَرَّمٌ إلَّا مَا أَبَاحَ مِنْهُ بِصِفَةٍ فَإِذَا زَالَتْ الصِّفَةُ زَالَتْ الْإِبَاحَةُ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) وَلَا خِلَافَ أَعْلَمُهُ أَنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ الْمَيْتَةِ وَهُوَ بَادِي الشِّبَعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُضْطَرٍّ، فَإِذَا كَانَ خَائِفًا عَلَى نَفْسِهِ فَمُضْطَرٌّ فَإِذَا أَكَلَ مِنْهَا مَا يُذْهِبُ الْخَوْفَ فَقَدْ أَمِنَ فَارْتَفَعَ الِاضْطِرَارُ الَّذِي هُوَ عِلَّةُ الْإِبَاحَةِ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا ارْتَفَعَتْ الْعِلَّةُ ارْتَفَعَ حُكْمُهَا وَرَجَعَ الْحُكْمُ كَمَا كَانَ قَبْلَ الِاضْطِرَارِ وَهُوَ تَحْرِيمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْمَيْتَةَ عَلَى مَنْ لَيْسَ بِمُضْطَرٍّ. وَلَوْ جَازَ أَنْ يَرْتَفِعَ الِاضْطِرَارُ وَلَا يَرْتَفِعُ حُكْمُهُ جَازَ أَنْ يَحْدُثَ الْإِضْرَارُ وَلَا يَحْدُثُ حُكْمُهُ وَهَذَا خِلَافُ الْقُرْآنِ وَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فِيمَا وَضَعَهُ بِخَطِّهِ لَا أَعْلَمُهُ سُمِعَ مِنْهُ إنْ مَرَّ الْمُضْطَرُّ بِتَمْرٍ أَوْ زَرْعٍ لَمْ أَرَ بَأْسًا أَنْ يَأْكُلَ مَا يَرُدُّ بِهِ جُوعَهُ وَيَرُدُّ قِيمَتَهُ وَلَا أَرَى لِصَاحِبِهِ مَنْعَهُ فَضْلًا عَنْهُ وَخِفْت أَنْ يَكُونَ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ إذَا خَافَ عَلَيْهِ بِالْمَنْعِ الْمَوْتَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَوْ وَجَدَ الْمُضْطَرُّ مَيْتَةً وَصَيْدًا وَهُوَ مُحْرِمٌ أَكَلَ الْمَيْتَةَ وَلَوْ قِيلَ: يَأْكُلُ الصَّيْدَ وَيَفْتَدِي كَانَ مَذْهَبًا.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - الصَّيْدُ مُحَرَّمٌ لِغَيْرِهِ وَهُوَ الْإِحْرَامُ وَمُبَاحٌ لِغَيْرِ مُحْرِمٍ وَالْمَيْتَةُ مُحَرَّمَةٌ لِعَيْنِهَا لَا لِغَيْرِهَا عَلَى كُلِّ حَلَالٍ وَحَرَامٍ فَهِيَ أَغْلَظُ تَحْرِيمًا فَإِحْيَاءُ نَفْسِهِ بِتَرْكِ الْأَغْلَظِ وَتَنَاوُلِ الْأَيْسَرِ أَوْلَى بِهِ مِنْ رُكُوبِ الْأَغْلَظِ. وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

وَخَالَفَ الشَّافِعِيُّ الْمَدَنِيَّ وَالْكُوفِيَّ فِي الِانْتِفَاعِ بِشَعَرِ الْخِنْزِيرِ وَفِي صُوفِ الْمَيْتَةِ وَشَعَرِهَا فَقَالَ: لَا يُنْتَفَعُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.

<<  <   >  >>