للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لَمْ يَكُنْ بَيْنَ مَوْتِهِمَا إلَّا أَقَلُّ مِنْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسِ لَيَالٍ فَلَا مَعْنَى لِلْحَيْضَةِ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ إذَا كَانَ مَاتَ أَوَّلًا فَهِيَ تَحْتَ زَوْجٍ مَشْغُولَةٌ بِهِ عَنْ الْحَيْضَةِ، وَإِنْ كَانَ مَوْتُ الزَّوْجِ أَوَّلًا فَلَمْ يَنْقَضِ شَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ حَتَّى مَاتَ السَّيِّدُ فَهِيَ مَشْغُولَةٌ بِعِدَّةِ الزَّوْجِ عَنْ الْحَيْضَةِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسِ لَيَالٍ فَقَدْ أَمْكَنَتْ الْحَيْضَةُ فَكَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا تَرِثُ زَوْجَهَا حَتَّى يَسْتَيْقِنَ أَنَّ سَيِّدَهَا مَاتَ قَبْلَ زَوْجِهَا فَتَرِثُهُ وَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ كَالْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ يَطَؤُهَا تَسْتَبْرِئُ بِحَيْضَةٍ فَإِنْ نَكَحَتْ قَبْلَهَا فَمَفْسُوخٌ، وَلَوْ وَطِئَ الْمُكَاتِبُ أَمَتَهُ فَوَلَدَتْ أَلْحَقَتْهُ بِهِ وَمَنَعَتْهُ الْوَطْءَ وَفِيهَا قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَبِيعُهَا بِحَالٍ؛ لِأَنِّي حَكَمْت لِوَلَدِهَا بِحُكْمِ الْحُرِّيَّةِ إنْ عَتَقَ أَبُوهُ.

وَالثَّانِي: أَنَّ لَهُ بَيْعَهَا خَافَ الْعَجْزَ أَوْ لَمْ يَخَفْهُ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْقِيَاسُ عَلَى قَوْلِهِ أَنْ لَا يَبِيعَهَا كَمَا لَا يَبِيعُ وَلَدَهَا.

بَابُ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِبْرَاءِ وَالْإِمْلَاءِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ سَبْيِ أَوْطَاسَ أَنْ تُوطَأَ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ أَوْ حَائِلٌ حَتَّى تَحِيضَ» وَلَا يُشَكُّ أَنَّ فِيهِنَّ أَبْكَارًا وَحَرَائِرَ كُنَّ قَبْلَ أَنْ يستأمين وَإِمَاءً وَوَضِيعَاتٍ وَشَرِيفَاتٍ وَكَانَ الْأَمْرُ فِيهِنَّ وَاحِدًا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَكُلُّ مِلْكٍ يَحْدُثُ مِنْ مَالِكٍ لَمْ يَجُزْ فِيهِ الْوَطْءُ إلَّا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ؛ لِأَنَّ الْفَرْجَ كَانَ مَمْنُوعًا قَبْلَ الْمِلْكِ ثُمَّ حَلَّ بِالْمِلْكِ فَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً مِنْ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ وَقَبَضَتْهَا وَتَفَرَّقَا بَعْدَ الْبَيْعِ ثُمَّ اسْتَقَالَهَا فَأَقَالَتْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْفَرْجَ حُرِّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ حَلَّ لَهُ بِالْمِلْكِ الثَّانِي.

(قَالَ): وَالِاسْتِبْرَاءُ أَنْ تَمْكُثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي طَاهِرًا بَعْدَ مِلْكِهَا ثُمَّ تَحِيضُ حَيْضَةً مَعْرُوفَةً فَإِذَا طَهُرَتْ مِنْهَا فَهُوَ الِاسْتِبْرَاءُ، وَإِنْ اسْتَبْرَأَتْ أَمْسَكَتْ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ تِلْكَ الرِّيبَةَ لَمْ تَكُنْ حَمْلًا، وَلَا أَعْلَمُ مُخَالِفًا فِي أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ لَوْ حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ وَهِيَ تَرَى أَنَّهَا حَامِلٌ لَمْ تَحِلَّ إلَّا بِوَضْعِ الْحَمْلِ أَوْ الْبَرَاءَةِ مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حَمْلًا فَلَا يَحِلُّ لَهُ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ التَّلَذُّذُ بِمُبَاشَرَتِهَا وَلَا نَظَرٌ بِشَهْوَةٍ إلَيْهَا وَقَدْ تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لِغَيْرِهِ، وَلَوْ لَمْ يَفْتَرِقَا حَتَّى وَضَعَتْ حَمْلًا لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ نِفَاسِهَا ثُمَّ تَحِيضَ حَيْضَةً مُسْتَقْبِلَةً مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا تَمَّ حِينَ تَفَرَّقَا عَنْ مَكَانِهِمَا الَّذِي تَبَايَعَا فِيهِ، وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً مُكَاتَبَةً فَعَجَزَتْ لَمْ يَطَأْهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا؛ لِأَنَّهَا مَمْنُوعَةُ الْفَرْجِ مِنْهُ ثُمَّ أُبِيحَ بِالْعَجْزِ وَلَا يُشْبِهُ صَوْمُهَا الْوَاجِبَ عَلَيْهَا وَحَيْضَتَهَا ثُمَّ تَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَمَسَّهَا وَيُقَبِّلَهَا وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي الْكِتَابَةِ كَمَا يَحْرُمُ إذَا زُوِّجَهَا وَإِنَّمَا قُلْت: طُهْرٌ ثُمَّ حَيْضَةٌ حَتَّى تَغْتَسِلَ مِنْهَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَقْرَاءَ الْأَطْهَارُ بِقَوْلِهِ فِي ابْنِ عُمَرَ يُطَلِّقُهَا طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ وَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْإِمَاءِ أَنْ يَسْتَبْرِئْنَ بِحَيْضَةٍ فَكَانَتْ الْحَيْضَةُ الْأُولَى أَمَامَهَا طُهْرٌ كَمَا كَانَ الطُّهْرُ أَمَامَهُ الْحَيْضُ فَكَانَ قَصْدُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الِاسْتِبْرَاءِ إلَى الْحَيْضِ وَفِي الْعِدَّةِ إلَى الْأَطْهَارِ.

<<  <   >  >>