كِتَابُ الشَّرْطِ فِي الرَّقِيقِ يَشْتَرِطُهُمْ الْمُسَاقِي
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُسَاقِي عَلَى رَبِّ النَّخْلِ غِلْمَانًا يَعْمَلُونَ مَعَهُ، وَلَا يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي غَيْرِهِ.
(قَالَ): وَنَفَقَةُ الرَّقِيقِ عَلَى مَا يَتَشَارَطَانِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ نَفَقَةُ الرَّقِيقِ بِأَكْثَرَ مِنْ أُجْرَتِهِمْ فَإِذَا جَازَ أَنْ يَعْمَلُوا لِلْمُسَاقِي بِغَيْرِ أُجْرَةٍ جَازَ أَنْ يَعْمَلُوا لَهُ بِغَيْرِ نَفَقَةٍ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذِهِ مَسَائِلُ أَجَبْت فِيهَا عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِ وَقِيَاسِهِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. فَمِنْ ذَلِكَ لَوْ سَاقَاهُ عَلَى نَخْلٍ سِنِينَ مَعْلُومَةً عَلَى أَنْ يَعْمَلَا فِيهَا جَمِيعًا لَمْ يَجُزْ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ قِيَاسًا عَلَى شَرْطِ الْمُضَارَبَةِ يَعْمَلَانِ فِي الْمَالِ جَمِيعًا فَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ أَعَانَهُ مَعُونَةً مَجْهُولَةَ الْغَايَةِ بِأُجْرَةٍ مَجْهُولَةٍ. وَلَوْ سَاقَاهُ عَلَى النِّصْفِ عَلَى أَنْ يُسَاقِيَهُ فِي حَائِطٍ آخَرَ عَلَى الثُّلُثِ لَمْ يَجُزْ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ كَالْبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، وَلَهُ فِي الْفَاسِدِ أَجْرُ مِثْلِهِ فِي عَمَلِهِ فَإِنْ سَاقَاهُ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ عَلَى النِّصْفِ وَالْآخَرُ نَصِيبَهُ عَلَى الثُّلُثِ جَازَ وَلَوْ سَاقَاهُ عَلَى حَائِطٍ فِيهِ أَصْنَافٌ مِنْ دَقَلٍ وَعَجْوَةٍ وَصَيْحَانِيٍّ عَلَى أَنَّ لَهُ مِنْ الدَّقَلِ النِّصْفَ، وَمِنْ الْعَجْوَةِ الثُّلُثَ، وَمِنْ الصَّيْحَانِيِّ الرُّبُعَ وَهُمَا يَعْرِفَانِ كُلَّ صِنْفٍ كَانَ كَثَلَاثَةِ حَوَائِطَ مَعْرُوفَةٍ، وَإِنْ جَهِلَا أَوْ أَحَدُهُمَا كُلَّ صِنْفٍ لَمْ يَجُزْ.
وَلَوْ سَاقَاهُ عَلَى نَخْلٍ عَلَى أَنَّ لِلْعَامِلِ ثُلُثَ الثَّمَرَةِ، وَلَمْ يَقُولَا غَيْرَ ذَلِكَ كَانَ جَائِزًا، وَمَا بَعْدَ الثُّلُثِ فَهُوَ لِرَبِّ النَّخْلِ، وَإِنْ اشْتَرَطَا أَنَّ لِلرَّبِّ النَّخْلِ ثُلُثَ الثَّمَرَةِ، وَلَمْ يَقُولَا غَيْرَ ذَلِكَ كَانَ فَاسِدًا؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ لَمْ يَعْلَمْ نَصِيبَهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ ثَمَرَ النَّخْلِ لِرَبِّهَا إلَّا مَا شَرَطَ مِنْهَا لِلْعَامِلِ فَلَا حَاجَةَ بِنَا إلَى الْمَسْأَلَةِ بَعْدَ نَصِيبِ الْعَامِلِ لِمَنْ الْبَاقِي. وَإِذَا اشْتَرَطَ رَبُّ النَّخْلِ لِنَفْسِهِ الثُّلُثَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ نَصِيبَ الْعَامِلِ مِنْ الْبَاقِي فَنَصِيبُ الْعَامِلِ مَجْهُولٌ، وَإِذَا جُهِلَ النَّصِيبُ فَسَدَتْ الْمُسَاقَاةُ وَلَوْ كَانَتْ النَّخْلُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَسَاقَى أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ عَلَى أَنَّ لِلْعَامِلِ ثُلُثَيْ الثَّمَرَةِ مِنْ جَمِيعِ النَّخْلِ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثَ كَانَ جَائِزًا؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ سَاقَى شَرِيكَهُ فِي نِصْفِهِ عَلَى ثُلُثِ ثَمَرَتِهِ وَلَوْ سَاقَى شَرِيكَهُ عَلَى أَنَّ لِلْعَامِلِ الثُّلُثَ وَلِصَاحِبِهِ الثُّلُثَيْنِ لَمْ يَجُزْ كَرَجُلَيْنِ بَيْنَهُمَا أَلْفُ دِرْهَمٍ قَارَضَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فِي نِصْفِهِ فَمَا رَزَقَ اللَّهُ فِي الْأَلْفِ مِنْ رِبْحٍ فَالثُّلُثَانِ لِلْعَامِلِ وَلِصَاحِبِهِ الثُّلُثُ فَإِنَّمَا قَارَضَهُ فِي نِصْفِهِ عَلَى ثُلُثِ رِبْحِهِ فِي نِصْفِهِ.
وَلَوْ قَارَضَهُ عَلَى أَنَّ لِلْعَامِلِ ثُلُثَ الرِّبْحِ وَالثُّلُثَيْنِ لِصَاحِبِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ عَقَدَ لَهُ الْعَامِلُ أَنْ يَخْدُمَهُ فِي نِصْفِهِ بِغَيْرِ بَدَلٍ وَسَلَّمَ لَهُ مَعَ خِدْمَتِهِ مِنْ رِبْحٍ نِصْفُهُ تَمَامُ ثُلُثَيْ الْجَمِيعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَإِنْ عَمِلَ الْمُسَاقِي فِي هَذَا أَوْ الْمُقَارِضُ فَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَلَا أُجْرَةَ لِلْعَامِلِ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ عَلَى غَيْرِ بَدَلٍ وَلَوْ سَاقَى أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ عَلَى نَخْلٍ بَيْنَهُمَا سَنَةً مَعْرُوفَةً عَلَى أَنْ يَعْمَلَا فِيهَا جَمِيعًا عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا الثُّلُثَ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثَيْنِ لَمْ يَكُنْ لِمُسَاقَاتِهِمَا مَعْنًى فَإِنْ عَمِلَا فَلِأَنْفُسِهِمَا عَمِلَا وَالثَّمَرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ.
وَلَوْ سَاقَى رَجُلٌ رَجُلًا نَخْلًا مُسَاقَاةً صَحِيحَةً فَأَثْمَرَتْ ثُمَّ هَرَبَ الْعَامِلُ اكْتَرَى عَلَيْهِ الْحَاكِمُ فِي مَالِهِ مَنْ يَقُومُ فِي النَّخْلِ مَقَامَهُ، وَإِنْ عَلِمَ مِنْهُ سَرِقَةً فِي النَّخْلِ وَفَسَادًا مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ وَتُكُورِيَ عَلَيْهِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَإِنْ مَاتَ قَامَتْ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ فَإِنْ أَنْفَقَ رَبُّ النَّخْلِ كَانَ مُتَطَوِّعًا بِهِ، وَيَسْتَوْفِي الْعَامِلُ شَرْطَهُ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ وَلَوْ عَمِلَ فِيهَا الْعَامِلُ فَأَثْمَرَتْ ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَبُّهَا أَخَذَهَا وَثَمَرَهَا، وَلَا حَقَّ عَلَيْهِ فِيمَا عَمِلَ فِيهَا الْعَامِلُ؛ لِأَنَّهَا آثَارٌ لَا عَيْنٌ وَرَجَعَ الْعَامِلُ عَلَى الدَّافِعِ بِقِيمَةِ مَا عَمِلَ فَإِنْ اقْتَسَمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute