للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْجِنَايَةِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يُقْبَلُ فِي الْقَتْلِ وَجِرَاحِ الْعَمْدِ وَالْحُدُودِ سِوَى الزِّنَا إلَّا عَدْلَانِ وَيُقْبَلُ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ وَيَمِينٌ وَشَاهِدٌ فِيمَا لَا قِصَاصَ فِيهِ مِثْلُ الْجَائِفَةِ وَجِنَايَةِ مَنْ لَا قَوَدَ عَلَيْهِ مِنْ مَعْتُوهٍ وَصَبِيٍّ وَمُسْلِمٍ عَلَى كَافِرٍ وَحُرٍّ عَلَى عَبْدٍ وَأَبٍ عَلَى ابْنٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَالٌ فَإِنْ كَانَ الْجِرَاحُ هَاشِمَةً أَوْ مَأْمُومَةً لَمْ أَقْبَلْ أَقَلَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ؛ لِأَنَّ الَّذِي شُجَّ إنْ أَرَادَ أَنْ آخُذَ لَهُ الْقِصَاصَ مِنْ مُوضِحَةٍ فَعَلْت؛ لِأَنَّهَا مُوضِحَةٌ وَزِيَادَةٌ.

(قَالَ): وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ ضَرَبَهُ بِسَيْفٍ وَقَفْتهمَا فَإِنْ قَالَا: فَأَنْهَرَ دَمَهُ وَمَاتَ مَكَانَهُ قَبِلْتُهُمَا وَجَعَلْته قَاتِلًا، وَإِنْ قَالَا: لَا نَدْرِي أَنْهَرَ دَمَهُ أَمْ لَا بَلْ رَأَيْنَاهُ سَائِلًا لَمْ أَجْعَلْهُ جَارِحًا حَتَّى يَقُولَا: أَوْضَحَهُ هَذِهِ الْمُوضِحَةَ بِعَيْنِهَا، وَلَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلَيْنِ أَنَّهُمَا قَتَلَاهُ وَشَهِدَ الْآخَرَانِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَنَّهُمَا قَتَلَاهُ وَكَانَتْ شَهَادَتُهُمَا فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ فَإِنْ صَدَّقَهُمَا وَلِيُّ الدَّمِ مَعًا أَبْطَلْت الشَّهَادَةَ وَإِنْ صَدَّقَ اللَّذَيْنِ شَهِدَا أَوَّلًا قَبِلْت شَهَادَتَهُمَا وَجَعَلْت الْآخَرَيْنِ دَافِعَيْنِ بِشَهَادَتِهِمَا، وَإِنْ صَدَّقَ اللَّذَيْنِ شَهِدَا آخِرًا أَبْطَلْت شَهَادَتَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا يَدْفَعَانِ بِشَهَادَتِهِمَا مَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِمَا، وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى إقْرَارِهِ أَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ وَلَمْ يَقُلْ: خَطَأً وَلَا عَمْدًا جَعَلْته قَاتِلًا وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ.

فَإِنْ قَالَ: عَمْدًا، فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَإِنْ قَالَ: خَطَأً أُحْلِفَ مَا قَتَلَهُ عَمْدًا وَكَانَتْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي مُضِيِّ ثَلَاثِ سِنِينَ، وَلَوْ قَالَ: أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ غُدْوَةً وَقَالَ الْآخَرُ: عَشِيَّةً، أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا بِسَيْفٍ وَالْآخَرُ بِعَصًا فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُكَذِّبٌ لِصَاحِبِهِ وَمِثْلُ هَذَا يُوجِبُ الْقَسَامَةَ.

وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَتَلَهُ وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِقَتْلِهِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مُخَالِفٌ لِلْفِعْلِ وَلَوْ شَهِدَ أَنَّهُ ضَرَبَهُ مُلَفَّفًا فَقَطَعَهُ بِاثْنَيْنِ وَلَمْ يُبَيِّنَا أَنَّهُ كَانَ حَيًّا لَمْ أَجْعَلْهُ قَاتِلًا وَأَحْلَفْتُهُ مَا ضَرَبَهُ حَيًّا.

وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ أَنَّ أَحَدَهُمْ عَفَا الْقَوَدَ وَالْمَالَ فَلَا سَبِيلَ إلَى الْقَوَدِ وَإِنْ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ وَأُحْلِفَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مَا عَفَا الْمَالَ وَيَأْخُذُ حِصَّتَهُ مِنْ الدِّيَةِ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ حَلَفَ الْقَاتِلُ مَعَ شَهَادَتِهِ لَقَدْ عَفَا عَنْهُ الْقِصَاصَ وَالْمَالَ وَبَرِئَ مِنْ حِصَّتِهِ مِنْ الدِّيَةِ.

وَلَوْ شَهِدَ وَارِثٌ أَنَّهُ جَرَحَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً لَمْ أَقْبَلْ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ قَدْ يَكُونُ نَفْسًا فَيَسْتَوْجِبُ بِشَهَادَتِهِ الدِّيَةَ فَإِنْ شَهِدَ وَلَهُ مَنْ يَحْجُبُهُ قَبِلْتُهُ فَإِنْ لَمْ أَحْكُمْ حَتَّى صَارَ وَارِثًا طَرَحْته وَلَوْ كُنْت حَكَمْت ثُمَّ مَاتَ مَنْ يَحْجُبُهُ وَرَّثْتُهُ؛ لِأَنَّهَا مَضَتْ فِي حِينٍ لَا يَجُرُّ بِهَا إلَى نَفْسِهِ، وَلَوْ شَهِدَ مِنْ عَاقِلَتِهِ بِالْجُرْحِ لَمْ أَقْبَلْ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ مَالٌ فِي وَقْتِ الْعَقْلِ فَيَكُونُ دَافِعًا عَنْ نَفْسِهِ بِشَهَادَتِهِ مَا يَلْزَمُهُ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَجَازَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إذَا كَانَ مِنْ عَاقِلَتِهِ فِي قُرْبِ النَّسَبِ مَنْ يَحْمِلُ الْعَقْلَ حَتَّى لَا يَخْلُصَ إلَيْهِ الْغُرْمُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ.

(قَالَ): وَتَجُوزُ الْوَكَالَةُ فِي تَثْبِيتِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْقَتْلِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَإِذَا كَانَ الْقَوَدُ لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ حَتَّى يَحْضُرَ الْوَلِيُّ أَوْ يُوَكِّلَهُ بِقَتْلِهِ فَيَكُونَ لَهُ قَتْلُهُ.

(قَالَ): وَإِذَا أَمَرَ السُّلْطَانُ بِقَتْلِ رَجُلٍ أَوْ قَطْعِهِ اُقْتُصَّ مِنْ السُّلْطَانِ؛ لِأَنَّهُ هَكَذَا يُفْعَلُ وَيُعَزَّرُ الْمَأْمُورُ.

بَابُ الْحُكْمِ فِي السَّاحِرِ إذَا قَتَلَ بِسِحْرِهِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا سَحَرَ رَجُلًا فَمَاتَ سُئِلَ عَنْ سِحْرِهِ؛ فَإِنْ قَالَ: أَنَا أَعْمَلُ هَذَا لِأَقْتُلَ فَأُخْطِئَ الْقَتْلَ وَأُصِيبَ وَقَدْ مَاتَ مِنْ عَمَلِي؛ فَفِيهِ الدِّيَةُ، وَإِنْ قَالَ: مَرِضَ مِنْهُ وَلَمْ يَمُتْ أَقْسَمَ أَوْلِيَاؤُهُ لَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْعَمَلِ وَكَانَتْ الدِّيَةُ، وَإِنْ قَالَ: عَمَلِي يَقْتُلُ الْمَعْمُولَ بِهِ وَقَدْ عَمَدْت قَتْلَهُ بِهِ قُتِلَ بِهِ قَوَدًا.

<<  <   >  >>