للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قَالَ «وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» قَالَ: وَإِذَا ادَّعَى الرَّجُلُ الشَّيْءَ فِي يَدَيْ الرَّجُلِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لِمَنْ هُوَ فِي يَدَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى سَبَبًا فَإِنْ اسْتَوَى سَبَبُهُمَا فَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ فَإِنْ أَقَامَ الَّذِي لَيْسَ فِي يَدَيْهِ الْبَيِّنَةُ قِيلَ لِصَاحِبِ الْيَدِ: الْبَيِّنَةُ الَّتِي لَا تَجُرُّ إلَى أَنْفُسِهَا بِشَهَادَتِهَا أَقْوَى مِنْ كَيْنُونَةِ الشَّيْءِ فِي يَدَيْك وَقَدْ يَكُونُ فِي يَدَيْك مَا لَا تَمْلِكُهُ فَهُوَ لَهُ لِفَضْلِ قُوَّةِ سَبَبِهِ عَلَى سَبَبِك فَإِنْ أَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً قِيلَ: قَدْ اسْتَوَيْتُمَا فِي الدَّعْوَى، وَالْبَيِّنَةِ وَاَلَّذِي الشَّيْءُ فِي يَدَيْهِ أَقْوَى سَبَبًا فَهُوَ لَهُ لِفَضْلِ قُوَّةِ سَبَبِهِ، وَهَذَا مُعْتَدِلٌ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ وَالسُّنَّةِ عَلَى مَا قُلْنَا فِي «رَجُلَيْنِ تَدَاعَيَا دَابَّةً، وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا دَابَّتُهُ نَتَجَهَا فَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ» قَالَ: وَسَوَاءٌ التَّدَاعِي وَالْبَيِّنَةُ فِي النِّتَاجِ وَغَيْرِهِ وَسَوَاءٌ أَقَامَ أَحَدُهُمَا شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ وَالْآخَرُ عَشَرَةً، إنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَرْجَحَ مِنْ بَعْضٍ وَإِنْ أَرَادَ الَّذِي قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَنْ أُحَلِّفَ صَاحِبَهُ مَعَ بَيِّنَتِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ أَخْرَجَهُ إلَى مِلْكِهِ فَهَذِهِ دَعْوَى أُخْرَى فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ.

وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ نَكَحَ امْرَأَةً لَمْ أَقْبَلْ دَعْوَاهُ حَتَّى يَقُولَ: نَكَحْتهَا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدِي عَدْلٍ وَرِضَاهَا فَإِنْ حَلَفَتْ بَرِئَتْ وَإِنْ نَكَلَتْ حَلَفَ وَقُضِيَ لَهُ بِأَنَّهَا زَوْجَةٌ لَهُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَالْأَيْمَانُ فِي الدِّمَاءِ مُخَالِفَةٌ لِغَيْرِهَا لَا يَبْرَأُ مِنْهُ إلَّا بِخَمْسِينَ يَمِينًا وَسَوَاءٌ النَّفْسُ وَالْجُرْحُ فِي هَذَا نَقْتُلُهُ وَنَقُصَّهُ مِنْهُ بِنُكُولِهِ وَيَمِينِ صَاحِبِهِ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَطَعَ فِي الْإِمْلَاءِ بِأَنْ لَا قَسَامَةَ بِدَعْوَى مَيِّتٍ وَلَكِنْ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَيَبْرَأُ فَإِنْ أَبَى حَلَفَ الْأَوْلِيَاءُ وَاسْتَحَقُّوا دَمَهُ وَإِنْ أَبَوْا بَطَلَ حَقُّهُمْ وَقَالَ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ: مَنْ ادَّعَى دَمًا وَلَا دَلَالَةَ لِلْحَاكِمِ عَلَى دَعْوَاهُ كَالدَّلَالَةِ الَّتِي قَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقَسَامَةِ أَحْلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا يَحْلِفُ فِيمَا سِوَى الدَّمَ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا بِهِ أَشْبَهُ وَدَلِيلٌ آخَرُ «حَكَمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقَسَامَةِ بِتَبْدِئَةِ الْمُدَّعِي لَا غَيْرَهُ وَحَكَمَ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ بِتَبْدِئَةِ يَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا غَيْرَهُ» فَإِذَا حَكَمَ الشَّافِعِيُّ فِيمَا وَصَفْت بِتَبْدِئَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ارْتَفَعَ عَدَدُ أَيْمَانِ الْقَسَامَةِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَالدَّعْوَى فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَالنُّكُولِ وَرَدِّ الْيَمِينِ كَهِيَ فِي الْمَالِ إلَّا أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ ضَعِيفَةٌ وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ أَكْرَاهُ بَيْتًا مِنْ دَارِهِ شَهْرًا بِعَشَرَةٍ، وَأَقَامَ الْمُكْتَرِي الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اكْتَرَى مِنْهُ الدَّارَ كُلَّهَا ذَلِكَ الشَّهْرَ بِعَشَرَةٍ فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ وَيَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ فَإِنْ كَانَ سَكَنَ فَعَلَيْهِ كِرَاءُ مِثْلِهَا.

وَلَوْ ادَّعَى دَارًا فِي يَدَيْ رَجُلٍ فَقَالَ: لَيْسَتْ بِمِلْكٍ لِي وَهِيَ لِفُلَانٍ فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا صَيَّرْتهَا لَهُ وَجَعَلْته خَصْمًا عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا كَتَبَ إقْرَارَهُ وَقِيلَ لِلْمُدَّعِي: أَقِمْ الْبَيِّنَةَ فَإِنْ أَقَامَهَا قُضِيَ بِهَا عَلَى الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ وَيَجْعَلُ فِي الْقَضِيَّةِ أَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ بِهَا عَلَى حُجَّتِهِ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَدْ قَطَعَ بِالْقَضَاءِ عَلَى غَائِبٍ وَهُوَ أَوْلَى بِقَوْلِهِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ أَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ كَانَتْ فِي يَدَيْهِ أَمْسِ لَمْ أَقْبَلْ قَدْ يَكُونُ فِي يَدَيْهِ مَا لَيْسَ لَهُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً أَنَّهُ أَخَذَهَا مِنْهُ، وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ غَصَبَهُ إيَّاهَا وَأَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِهَا فَهِيَ لِلْمَغْصُوبِ وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ فِيمَا غَصَبَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا ادَّعَى عَلَيْهِ شَيْئًا كَانَ فِي يَدَيْ الْمَيِّتِ حَلَفَ عَلَى عِلْمِهِ وَقَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَإِذَا اشْتَرَاهُ حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ.

بَابُ الدَّعْوَى فِي الْمِيرَاثِ

مِنْ اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ هَلَكَ نَصْرَانِيٌّ وَلَهُ ابْنَانِ: مُسْلِمٌ وَنَصْرَانِيٌّ فَشَهِدَ مُسْلِمَانِ لِلْمُسْلِمِ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ مُسْلِمًا وَلِلنَّصْرَانِيِّ مُسْلِمَانِ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ نَصْرَانِيًّا صَلَّى عَلَيْهِ، فَمَنْ أَبْطَلَ الْبَيِّنَةَ الَّتِي لَا تَكُونُ إلَّا بِأَنْ يُكَذِّبَ

<<  <   >  >>