كِتَابُ الْبَيْعِ
بَابُ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَنَهَى عَنْهُ مِنْ الْمُبَايَعَاتِ وَسُنَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): قَالَ اللَّهُ - جَلَّ وَعَزَّ - {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} فَلَمَّا «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بُيُوعٍ تَرَاضَى بِهَا الْمُتَبَايِعَانِ» اسْتَدْلَلْنَا أَنَّ اللَّهَ - جَلَّ وَعَزَّ - أَحَلَّ الْبُيُوعَ إلَّا مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ فَإِذَا عَقَدَا بَيْعًا مِمَّا يَجُوزُ وَافْتَرَقَا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا بِهِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمَا رَدُّهُ إلَّا بِعَيْبٍ أَوْ بِشَرْطِ خِيَارٍ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ): وَقَدْ أَجَازَ فِي الْإِمْلَاءِ وَفِي كِتَابِ الْجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ وَفِي الصَّدَاقِ وَفِي الصُّلْحِ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَهَذَا كُلُّهُ غَيْرُ جَائِزٍ فِي مَعْنَاهُ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ): وَهَذَا بِنَفْيِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَوْلَى بِهِ إذْ أَصْلُ قَوْلِهِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْبَيْعَ بَيْعَانِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا صِفَةٌ مَضْمُونَةٌ وَعَيْنٌ مَعْرُوفَةٌ وَأَنَّهُ يَبْطُلُ بَيْعُ الثَّوْبِ لَمْ يُرَ بَعْضُهُ لِجَهْلِهِ بِهِ فَكَيْفَ يُجِيزُ شِرَاءَ مَا لَمْ يَرَ شَيْئًا مِنْهُ قَطُّ، وَلَا يَدْرِي أَنَّهُ ثَوْبٌ أَمْ لَا حَتَّى يَجْعَلَ لَهُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ.
بَابُ خِيَارِ الْمُتَبَايِعَيْنِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ».
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُوجِبَ الْبَيْعَ مَشَى قَلِيلًا ثُمَّ رَجَعَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي الْوَضِيءِ قَالَ كُنَّا فِي غَزَاةٍ فَبَاعَ صَاحِبٌ لَنَا فَرَسًا مِنْ رَجُلٍ فَلَمَّا أَرَدْنَا الرَّحِيلَ خَاصَمَهُ فِيهِ إلَى أَبِي بَرْزَةَ فَقَالَ أَبُو بَرْزَةَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا».
(قَالَ): وَفِي الْحَدِيثِ مَا لَمْ يَحْضُرْ يَحْيَى بْنَ حَسَّانَ حِفْظُهُ، وَقَدْ سَمِعْته مِنْ غَيْرِهِ أَنَّهُمَا بَاتَا لَيْلَةً ثُمَّ غَدَوَا عَلَيْهِ فَقَالَ لَا أَرَاكُمَا تَفَرَّقْتُمَا وَجَعَلَ لَهُمَا الْخِيَارَ إذْ بَقِيَا فِي مَكَان وَاحِدٍ بَعْدَ الْبَيْعِ، وَقَالَ عَطَاءٌ يُخَيَّرُ بَعْدَ وُجُوبِ الْبَيْعِ، وَقَالَ شُرَيْحٌ: شَاهِدُ عَدْلٍ أَنَّكُمَا تَفَرَّقْتُمَا بَعْدَ رِضًا بِبَيْعٍ أَوْ خَيَّرَ أَحَدُكُمَا صَاحِبَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْأَكْثَرُ مِنْ أَهْلِ الْآثَارِ بِالْبُلْدَانِ.
(قَالَ): وَهُمَا قَبْلَ التَّسَاوُمِ غَيْرُ مُتَسَاوِمَيْنِ ثُمَّ يَكُونَانِ مُتَسَاوِمَيْنِ ثُمَّ يَكُونَانِ مُتَبَايِعَيْنِ فَلَوْ تَسَاوَمَا فَقَالَ رَجُلٌ امْرَأَتِي طَالِقٌ إنْ كُنْتُمَا تَبَايَعْتُمَا كَانَ صَادِقًا، وَإِنَّمَا جَعَلَ لَهُمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخِيَارَ بَعْدَ التَّبَايُعِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا فَلَا تَفَرُّقَ بَعْدَمَا صَارَا مُتَبَايِعَيْنِ إلَّا تَفَرُّقَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute