وَكَذَلِكَ مُشْتَرِي الْعَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ لَا يَدْرِي أَيُجِيزُهُ الْمَالِكُ أَوْ لَا يُجِيزُهُ وَلَوْ اشْتَرَى مِائَةَ ذِرَاعٍ مِنْ دَارٍ لَمْ يَجُزْ لِجَهْلِهِ بِالْأَذْرُعِ وَلَوْ عَلِمَا ذَرْعَهَا فَاشْتَرَى مِنْهَا أَذْرُعًا مُشَاعَةً جَازَ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ اللَّبَنِ فِي الضُّرُوعِ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَكْرَهُ بَيْعَ الصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ وَاللَّبَنِ فِي ضُرُوعِهَا إلَّا بِكَيْلٍ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمِسْكِ فِي فَأْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ لَا يُدْرَى كَمَا وَزْنُهُ مِنْ وَزْنِ جُلُودِهِ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ): يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ إذَا رَآهُ بِعَيْنِهِ حَتَّى يُحِيطَ بِهِ عِلْمًا جُزَافًا.
بَابُ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ وَالْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ وَشِرَاءِ الْأَعْمَى
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ» وَكَانَ بَيْعًا يَتَبَايَعُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ الرَّجُلُ يَبْتَاعُ الْجَزُورَ إلَى أَنْ تُنْتِجَ النَّاقَةَ ثُمَّ تُنْتِجَ الَّتِي فِي بَطْنِهَا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِذَا عَقَدَا الْبَيْعَ عَلَى هَذَا فَمَفْسُوخٌ لِلْجَهْلِ بِوَقْتِهِ، وَقَدْ لَا تُنْتِجُ أَبَدًا.
وَقَدْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ» وَالْمُلَامَسَةُ عِنْدَنَا أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ بِثَوْبِهِ مَطْوِيًّا فَيَلْمِسهُ الْمُشْتَرِي أَوْ فِي ظُلْمَةٍ فَيَقُولُ رَبُّ الثَّوْبِ أَبِيعُك هَذَا عَلَى أَنَّهُ إذَا وَجَبَ الْبَيْعُ فَنَظَرُك إلَيْهِ اللَّمْسُ لَا خِيَارَ لَك إذَا نَظَرْت إلَى جَوْفِهِ أَوْ طُولِهِ وَعَرْضِهِ. وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ أَنْبِذَ إلَيْك ثَوْبِي وَتَنْبِذَ إلَيَّ ثَوْبَك عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ وَلَا خِيَارَ إذَا عَرَفْنَا الطُّولَ وَالْعَرْضَ وَكَذَلِكَ أَنْبِذُهُ إلَيْك بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ
(قَالَ): وَلَا يَجُوزُ شِرَاءُ الْأَعْمَى، وَإِنْ ذَاقَ مَا لَهُ طَعْمٌ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ فِي الثَّمَنِ بِاللَّوْنِ إلَّا فِي السَّلَمِ بِالصِّفَةِ، وَإِذَا وَكَّلَ بَصِيرًا يَقْبِضُ لَهُ عَلَى الصِّفَةِ.
(قَالَ الْمُزَنِيّ): يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ الشَّافِعِيُّ بِلَفْظَةِ الْأَعْمَى الَّذِي عَرَفَ الْأَلْوَانَ قَبْلَ أَنْ يَعْمَى فَأَمَّا مَنْ خُلِقَ أَعْمَى فَلَا مَعْرِفَةَ لَهُ بِالْأَلْوَانِ فَهُوَ فِي مَعْنَى مَنْ اشْتَرَى مَا يَعْرِفُ طَعْمَهُ وَيَجْهَلُ لَوْنَهُ وَهُوَ يُفْسِدُهُ فَتَفَهَّمْهُ وَلَا تغلط عَلَيْهِ.
بَابُ الْبَيْعِ بِالثَّمَنِ الْمَجْهُولِ وَبَيْعِ النَّجْشِ وَنَحْوِ ذَلِكَ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ».
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَهُمَا وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقُولَ قَدْ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ نَقْدًا أَوْ بِأَلْفَيْنِ إلَى سَنَةٍ قَدْ وَجَبَ لَك بِأَيِّهِمَا شِئْتُ أَنَا وَشِئْتَ أَنْتَ فَهَذَا بَيْعُ الثَّمَنِ فَهُوَ مَجْهُولٌ. الثَّانِي: أَنْ يَقُولَ قَدْ بِعْتُك عَبْدِي هَذَا بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي دَارَك بِأَلْفٍ فَإِذَا وَجَبَ لَك عَبْدِي وَجَبَتْ لِي دَارُك؛ لِأَنَّ مَا نَقَصَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِمَّا بَاعَ ازْدَادَهُ فِيمَا اشْتَرَى فَالْبَيْعُ فِي ذَلِكَ مَفْسُوخٌ.
«وَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ النَّجْشِ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَالنَّجْشُ خَدِيعَةُ وَلَيْسَ مِنْ أَخْلَاقِ أَهْلِ الدِّينِ وَهُوَ أَنْ يَحْضُرَ السِّلْعَةَ تُبَاعُ فَيُعْطِي بِهَا الشَّيْءَ وَهُوَ لَا يُرِيدُ شِرَاءَهَا لِيَقْتَدِيَ بِهَا السَّوَامُّ فَيُعْطِي بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا كَانُوا يُعْطُونَ لَوْ لَمْ يَعْلَمُوا سَوْمَهُ فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ بِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَقْدُ الشِّرَاءِ نَافِذٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ النَّجْشِ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَبِعْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ».
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَبَيَّنَ فِي مَعْنَى نَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَبِيعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ أَنْ يَتَوَاجَبَا السِّلْعَةَ فَيَكُونَ الْمُشْتَرِي مُغْتَبِطًا أَوْ غَيْرَ نَادِمٍ فَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ مِثْلَ سِلْعَتِهِ أَوْ خَيْرًا مِنْهَا بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ فَيَفْسَخُ بَيْعَ صَاحِبِهِ بِأَنَّ لَهُ الْخِيَارَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَيَكُونُ هَذَا إفْسَادٌ، وَقَدْ عَصَى اللَّهَ إذَا كَانَ بِالْحَدِيثِ عَالِمًا وَالْبَيْعُ