الِاسْتِنْجَاءِ (قَالَ الْمُزَنِيّ): قُلْت أَنَا: هَذَا أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْخَزَفَ فِي الِاسْتِنْجَاءِ كَالْحِجَارَةِ لِأَنَّهَا تُنَقِّي إنْقَاءَهَا فَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْعَلَ الْأُشْنَانَ كَالتُّرَابِ؛ لِأَنَّهُ يُنَقِّي إنْقَاءَهُ أَوْ أَكْثَرَ وَكَمَا جَعَلَ مَا عَمِلَ عَمَلَ الْقَرَظِ وَالشَّثِّ فِي الْإِهَابِ فِي مَعْنَى الْقَرَظِ وَالشَّثِّ فَكَذَلِكَ الْأُشْنَانُ فِي تَطْهِيرِ الْإِنَاءِ فِي مَعْنَى التُّرَابِ (قَالَ الْمُزَنِيّ): الشَّثُّ شَجَرَةٌ تَكُونُ بِالْحِجَازِ (قَالَ): وَيُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْ النَّجَاسَةِ سِوَى ذَلِكَ ثَلَاثًا أَحَبُّ إلَيَّ، فَإِنْ غَسَلَهُ وَاحِدَةً تَأَنَّى عَلَيْهِ طَهُرَ.
وَمَا مَسَّ الْكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ مِنْ الْمَاءِ مِنْ أَبْدَانِهِمَا نَجَّسَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا قَذَرٌ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الْخِنْزِيرَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْكَلْبِ فَقَاسَهُ عَلَيْهِ وَقَاسَ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ النَّجَاسَاتِ عَلَى أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ فِي دَمِ الْحَيْضَةِ يُصِيبُ الثَّوْبَ أَنْ تَحُتَّهُ، ثُمَّ تَقْرُصَهُ بِالْمَاءِ وَتُصَلِّيَ فِيهِ وَلَمْ يُوَقِّتْ فِي ذَلِكَ سَبْعًا وَاحْتَجَّ فِي جَوَازِ الْوُضُوءِ بِفَضْلِ مَا سِوَى الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ بِحَدِيثِ «رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ سُئِلَ أَنَتَوَضَّأُ بِمَا أَفْضَلَتْ الْحُمُرِ؟ قَالَ نَعَمْ وَبِمَا أَفْضَلَتْ السِّبَاعُ كُلُّهَا» وَبِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ فِي الْهِرَّةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ» وَبِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا سَقَطَ الذُّبَابُ فِي الْإِنَاءِ فَامْقُلُوهُ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَحْيَاءِ نَجَاسَةٌ إلَّا مَا ذَكَرْت مِنْ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ (قَالَ): وَغَمْسُ الذُّبَابِ فِي الْإِنَاءِ لَيْسَ يَقْتُلُهُ وَالذُّبَابُ لَا يُؤْكَلُ، فَإِنْ مَاتَ ذُبَابٌ أَوْ خُنْفُسَاءُ أَوْ نَحْوُهُمَا فِي إنَاءٍ نَجَّسَهُ (وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ) إنْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الَّذِي يُنَجِّسُهُ مِثْلُهُ نَجَّسَهُ إذَا كَانَ مِمَّا لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ (قَالَ الْمُزَنِيّ): هَذَا أَوْلَى بِقَوْلِ الْعُلَمَاءِ وَقَوْلُهُ مَعَهُمْ أَوْلَى بِهِ مِنْ انْفِرَادِهِ عَنْهُمْ (قَالَ): وَإِنْ وَقَعَتْ فِيهِ جَرَادَةٌ مَيِّتَةٌ أَوْ حُوتٌ لَمْ تُنَجِّسْهُ؛ لِأَنَّهُمَا مَأْكُولَانِ مَيِّتَيْنِ، (قَالَ): وَلُعَابُ الدَّوَابِّ وَعِرْقُهَا قِيَاسًا عَلَى بَنِي آدَمَ (قَالَ): وَأَيُّمَا إهَابِ مَيْتَةٍ دَبَغَ بِهِ الْعَرَبُ أَوْ نَحْوِهِ فَقَدْ طَهُرَ وَحَلَّ بَيْعُهُ وَتُوُضِّئَ فِيهِ إلَّا جِلْدَ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ؛ لِأَنَّهُمَا نَجِسَانِ وَهُمَا حَيَّانِ وَلَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ عَظْمٌ وَلَا صُوفٌ وَلَا شَعْرٌ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الدِّبَاغِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ.
بَابُ الْمَاءِ الَّذِي يَنْجُسُ وَاَلَّذِي لَا يَنْجُسُ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ الْمَخْزُومِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ نَجَسًا أَوْ قَالَ خَبَثًا» وَرَوَى الشَّافِعِيُّ أَنَّ ابْنِ جُرَيْجٍ رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِسْنَادٍ لَا يَحْضُرُ الشَّافِعِيَّ ذِكْرُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا كَانَ الْمَاء قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ نَجَسًا» وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ بِقِلَالِ هَجَرَ " قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَقَدْ رَأَيْت قِلَالَ هَجَرَ فَالْقُلَّةُ تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ أَوْ قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئًا (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ تَكُونَ الْقُلَّتَانِ خَمْسَ قِرَبٍ (قَالَ): وَقِرَبُ الْحِجَازِ كِبَارٌ وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ «قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّك تَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَهِيَ تُطْرَحُ فِيهَا الْمَحَايِضُ وَلُحُومُ الْكِلَابِ وَمَا يُنْجِي النَّاسُ فَقَالَ الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» قَالَ وَمَعْنَى لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إذَا كَانَ كَثِيرًا لَمْ يُغَيِّرْهُ النَّجَسُ. وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «خُلِقَ الْمَاءُ طَهُورًا لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا غَيَّرَ رِيحَهُ أَوْ طَعْمَهُ» وَقَالَ فِيمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ نَزَحَ زَمْزَمَ مِنْ زِنْجِيٍّ مَاتَ فِيهَا إمَّا لَا نَعْرِفُهُ وَزَمْزَمُ عِنْدَنَا وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ " أَرْبَعٌ لَا يَخْبُثْنَ " فَذَكَرَ الْمَاءَ وَهُوَ لَا يُخَالِفُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ يَكُونُ الدَّمُ ظَهَرَ فِيهَا فَنَزَحَهَا إنْ كَانَ فَعَلَ أَوْ تَنْظِيفًا لَا وَاجِبًا.
(قَالَ): وَإِذَا كَانَ الْمَاءُ خَمْسُ قِرَبٍ كِبَارٍ مِنْ قِرَبِ الْحِجَازِ فَوَقَعَ فِيهِ دَمٌ أَوْ أَيُّ نَجَاسَةٍ كَانَتْ فَلَمْ تُغَيِّرْ طَعْمَهُ وَلَا لَوْنَهُ وَلَا رِيحَهُ لَمْ يَنْجُسْ وَهُوَ بِحَالِهِ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ خَمْسُ قِرَبٍ فَصَاعِدًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute