للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْغَنَاءِ وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلَّا لِخَمْسَةٍ: لِغَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا أَوْ لِغَارِمٍ أَوْ لِرَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ أَوْ لِرَجُلٍ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ فَتَصَدَّقَ عَلَى الْمِسْكِينِ فَأَهْدَى الْمِسْكِينُ لِلْغَنِيِّ» فَبِهَذَا قُلْت: يُعْطَى الْغَازِي وَالْعَامِلُ، وَإِنْ كَانَا غَنِيَّيْنِ وَالْغَارِمُ فِي الْحَمَالَةِ عَلَى مَا أَبَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا عَامًّا، وَيُقْبَلُ قَوْلُ ابْنِ السَّبِيلِ إنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الْبَلَدِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَوِيٍّ حَتَّى تَعْلَمَ قُوَّتَهُ بِالْمَالِ، وَمَنْ طَلَبَ بِأَنَّهُ يَغْزُو أُعْطِيَ وَمَنْ طَلَبَ بِأَنَّهُ غَارِمٌ أَوْ عَبْدٌ بِأَنَّهُ مُكَاتَبٌ لَمْ يُعْطَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ أَصْلَ النَّاسِ أَنَّهُ غَيْرُ غَارِمِينَ حَتَّى يُعْلَمَ غُرْمُهُمْ وَالْعَبِيدُ غَيْرُ مُكَاتَبِينَ حَتَّى تَعْلَمَ كِتَابَتَهُمْ وَمَنْ طَلَبَ بِأَنَّهُ مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ لَمْ يُعْطَ إلَّا بِأَنْ يُعْلَمَ ذَلِكَ، وَمَا وَصَفْت أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِهِ وَسَهْمُ سَبِيلِ اللَّهِ كَمَا وَصَفْت يُعْطَى مِنْهُ مَنْ أَرَادَ الْغَزْوَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ فَقِيرًا كَانَ أَوْ غَنِيًّا وَلَا يُعْطَى مِنْهُ غَيْرُهُمْ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَى الدَّفْعِ عَنْهُمْ فَيُعْطَاهُ مَنْ دَفَعَ عَنْهُمْ الْمُشْرِكِينَ؛ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ عَنْ جَمَاعَةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَابْنُ السَّبِيلِ عِنْدِي ابْنُ السَّبِيلِ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ الَّذِي يُرِيدُ الْبَلَدَ غَيْرَ بَلَدِهِ لِأَمْرٍ يَلْزَمُهُ.

بَابُ كَيْفَ تَفْرِيقُ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَنْبَغِي لِلسَّاعِي أَنْ يَأْمُرَ بِإِحْصَاءِ أَهْلِ السُّهْمَانِ فِي عَمَلِهِ حَتَّى يَكُونَ فَرَاغُهُ مِنْ قَبْضِ الصَّدَقَاتِ بَعْدَ تَنَاهِي أَسْمَائِهِمْ وَأَنْسَابِهِمْ وَحَالَاتِهِمْ وَمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ وَيُحْصِي مَا صَارَ فِي يَدَيْهِ مِنْ الصَّدَقَاتِ فَيَعْزِلُ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِينَ بِقَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّونَ بِأَعْمَالِهِمْ فَإِنْ جَاوَزَ سَهْمَ الْعَامِلِينَ رَأَيْت أَنْ يُعْطِيَهُمْ سَهْمَ الْعَامِلِينَ، وَيَزِيدُهُمْ قَدْرَ أُجُورِ أَعْمَالِهِمْ مِنْ سَهْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ، وَلَوْ أَعْطَاهُمْ ذَلِكَ مِنْ السُّهْمَانِ مَا رَأَيْت ذَلِكَ ضَيِّقًا أَلَا تَرَى أَنَّ مَالَ الْيُتْمِ يَكُونُ بِالْمَوْضِعِ فَيَسْتَأْجِرُ عَلَيْهِ إذَا خِيفَ ضَيْعَتُهُ مَنْ يَحُوطُهُ، وَإِنْ أَتَى ذَلِكَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْهُ.

(قَالَ الْمُزَنِيّ) هَذَا أَوْلَى بِقَوْلِهِ لِمَا اُحْتُجَّ بِهِ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَتُفْضَ جَمِيعُ السُّهْمَانِ عَلَى أَهْلِهَا كَمَا أَصِفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كَانَ الْفُقَرَاءُ عَشْرَةً وَالْمَسَاكِينُ عِشْرِينَ وَالْغَارِمُونَ خَمْسَةً وَهَؤُلَاءِ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ وَكَانَ سُهْمَانُهُمْ الثَّلَاثَةُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ ثَلَاثَةَ آلَافٍ فَلِكُلِّ صِنْفٍ أَلْفٌ فَإِنْ كَانَ الْفُقَرَاءُ يَغْتَرِقُونَ سَهْمَهُمْ كَفَافًا يَخْرُجُونَ بِهِ مِنْ حَدِّ الْفَقْرِ إلَى أَدْنَى الْغِنَى أُعْطُوهُ، وَإِنْ كَانَ يُخْرِجُهُمْ مِنْ حَدِّ الْفُقَرَاءِ إلَى أَدْنَى الْغِنَى أَقَلَّ وَقَفَ الْوَالِي مَا بَقِيَ مِنْهُ ثُمَّ يُقَسِّمُ عَلَى الْمَسَاكِينِ سَهْمَهُمْ هَكَذَا وَعَلَى الْغَارِمِينَ سَهْمَهُمْ هَكَذَا وَإِذَا خَرَجُوا مِنْ اسْمِ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ فَصَارُوا إلَى أَدْنَى اسْمِ الْغِنَى وَمِنْ الْغُرْمِ فَبَرِئَتْ ذِمَمُهُمْ وَصَارُوا غَيْرَ غَارِمِينَ فَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِهِ.

(قَالَ): وَلَا وَقْتَ فِيمَا يُعْطَى الْفَقِيرُ إلَّا مَا يُخْرِجُهُ مِنْ حَدِّ الْفَقْرِ إلَى الْغِنَى أَقَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ أَوْ لَا تَجِبُ؛ لِأَنَّهُ يَوْمَ يُعْطَاهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ عَلَيْهِ وَقَدْ يَكُونُ غَنِيًّا وَلَا مَالَ لَهُ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَفَقِيرًا بِكَثْرَةِ الْعِيَالِ وَلَهُ مَالٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِنَّمَا الْغِنَى وَالْفَقْرُ مَا يَعْرِفُ النَّاسُ بِقَدْرِ حَالِ الرِّجَالِ وَيَأْخُذُ الْعَامِلُونَ عَلَيْهَا بِقَدْرِ أُجُورِهِمْ فِي مِثْلِ كِفَايَتِهِمْ وَقِيَامِهِمْ وَأَمَانَتِهِمْ وَالْمُؤْنَةِ عَلَيْهِمْ فَيَأْخُذُ لِنَفْسِهِ بِهَذَا الْمَعْنَى وَيُعْطِي الْعَرِيفَ وَمَنْ يُجْمِعُ النَّاسُ عَلَيْهِ بِقَدْرِ كِفَايَتِهِ وَكُلْفَتِهِ وَذَلِكَ خَفِيفٌ؛ لِأَنَّهُ فِي بِلَادِهِ وَكَذَلِكَ الْمُؤَلَّفَةُ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِمْ وَالْمُكَاتَبُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يُعْتَقَ، وَإِنْ دُفِعَ إلَى سَيِّدِهِ كَانَ أَحَبُّ إلَيَّ وَيُعْطَى الْغَازِي الْحُمُولَةَ وَالسِّلَاحَ وَالنَّفَقَةَ وَالْكُسْوَةَ، وَإِنْ اتَّسَعَ الْمَالُ زِيدُوا الْخَيْلَ وَيُعْطَى ابْنُ السَّبِيلِ قَدْرَ مَا يُبْلِغُهُ الْبَلَدَ الَّذِي يُرِيدُ مِنْ نَفَقَتِهِ وَحُمُولَتِهِ إنْ كَانَ الْبَلَدُ بَعِيدًا أَوْ كَانَ ضَعِيفًا، وَإِنْ كَانَ الْبَلَدُ قَرِيبًا وَكَانَ جَلْدًا الْأَغْلَبُ مِنْ

<<  <   >  >>