للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَوَاَللَّهِ لَرَبٌّ مِنْ قُرَيْشٍ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ رَبٍّ مِنْ هَوَازِنَ ثُمَّ أَسْلَمَ قَوْمُهُ مِنْ قُرَيْشٍ وَكَانَ كَأَنَّهُ لَا يَشُكُّ فِي إسْلَامِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِذَا كَانَ مِثْلُ هَذَا رَأَيْت أَنْ يُعْطَى مِنْ سَهْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ لِلِاقْتِدَاءِ بِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَلَوْ قَالَ) قَائِلٌ كَانَ هَذَا السَّهْمُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ لَهُ أَنْ يَضَعَ سَهْمَهُ حَيْثُ يَرَى فَقَدْ فَعَلَ هَذَا مَرَّةً وَأَعْطَى مِنْ سَهْمِهِ بِخَيْبَرَ رِجَالًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ؛ لِأَنَّهُ مَالُهُ يَضَعُهُ حَيْثُ رَأَى وَلَا يُعْطِي أَحَدًا الْيَوْمَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مِنْ الْغَنِيمَةِ وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ أَحَدًا مِنْ خُلَفَائِهِ أَعْطَى أَحَدًا بَعْدَهُ، وَلَوْ قِيلَ: لَيْسَ لِلْمُؤَلَّفَةِ فِي قَسْمِ الْغَنِيمَةِ سَهْمٌ مَعَ أَهْلِ السَّهْمَيْنِ كَانَ مَذْهَبًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(قَالَ): وَلِلْمُؤَلَّفَةِ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ سَهْمٌ وَاَلَّذِي أَحْفَظُ فِيهِ مِنْ مُتَقَدِّمِ الْخَبَرِ أَنَّ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ جَاءَ إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَحْسَبُهُ بِثَلَاثِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ مِنْ صَدَقَاتِ قَوْمِهِ فَأَعْطَاهُ أَبُو بَكْرٍ مِنْهَا ثَلَاثِينَ بَعِيرًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَلْحَقَ بِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ بِمَنْ أَطَاعَهُ مِنْ قَوْمِهِ فَجَاءَهُ بِزُهَاءِ أَلْفِ رَجُلٍ وَأَبْلَى بَلَاءً حَسَنًا وَاَلَّذِي يَكَادُ يَعْرِفُ الْقَلْبُ بِالِاسْتِدْلَالِ بِالْأَخْبَارِ أَنَّهُ أَعْطَاهُ إيَّاهَا مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ، فَإِمَّا زَادَهُ تَرْغِيبًا فِيمَا صَنَعَ وَإِمَّا لِيَتَأَلَّفَ بِهِ غَيْرُهُ مِنْ قَوْمِهِ مِمَّنْ لَمْ يَثِقْ مِنْهُ بِمِثْلِ مَا يَثِقُ بِهِ مِنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ.

(قَالَ): فَأَرَى أَنْ يُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى إنْ نَزَلَتْ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ - وَلَنْ تَنْزِلَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ بِمَوْضِعِ مُنْتَاطٍ لَا يَنَالُهُ الْجَيْشُ إلَّا بِمُؤْنَةٍ وَيَكُونَ بِإِزَاءِ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ فَأَعَانَ عَلَيْهِمْ أَهْلُ الصَّدَقَاتِ إمَّا بَلِيَّةً فَأَرَى أَنْ يَقْوَوْا بِسَهْمِ سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ الصَّدَقَاتِ، وَإِمَّا أَنْ لَا يُقَاتِلُوا إلَّا بِأَنْ يُعْطُوا سَهْمَ الْمُؤَلَّفَةِ أَوْ مَا يَكْفِيهِمْ مِنْهُ، وَكَذَا إذَا انْتَاطَ الْعَدُوُّ وَكَانُوا أَقْوَى عَلَيْهِ مِنْ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ يُوَجَّهُونَ إلَيْهِ بِبُعْدِ دِيَارِهِمْ وَثِقَلِ مُؤْنَاتِهِمْ وَيَضْعُفُونَ عَنْهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلُ مَا وَصَفْت مِمَّا كَانَ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ امْتِنَاعِ أَكْثَرِ الْعَرَبِ بِالصَّدَقَةِ عَلَى الرِّدَّةِ وَغَيْرِهَا لَمْ أَرَ أَنْ يُعْطَى أَحَدٌ مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ عُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ وَلَا عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَعْطَوْا أَحَدًا تَأَلُّفًا عَلَى الْإِسْلَامِ وَقَدْ أَغْنَى اللَّهُ - فَلَهُ الْحَمْدُ - الْإِسْلَامَ عَنْ أَنْ يَتَأَلَّفَ عَلَيْهِ رِجَالٌ.

(وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ) لَا يُعْطَى مُشْرِكٌ يَتَأَلَّفُ عَلَى الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ أَمْوَالَ الْمُشْرِكِينَ لَا الْمُشْرِكِينَ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ وَجَعَلَ صَدَقَاتِ الْمُسْلِمِينَ مَرْدُودَةً فِيهِمْ.

(قَالَ): وَالرِّقَابُ الْمُكَاتَبُونَ مِنْ حَيِّزٍ إنَّمَا الصَّدَقَاتُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلَا يُعْتَقُ عَبْدٌ يُبْتَدَأُ عِتْقُهُ فَيُشْتَرَى وَيُعْتَقُ (وَالْغَارِمُونَ) صِنْفَانِ صِنْفٌ دَانُوا فِي مَصْلَحَتِهِمْ أَوْ مَعْرُوفٍ وَغَيْرِ مَعْصِيَةٍ ثُمَّ عَجَزُوا عَنْ أَدَاءِ ذَلِكَ فِي الْعَرْضِ وَالنَّقْدِ فَيُعْطُونَ فِي غُرْمِهِمْ لِعَجْزِهِمْ فَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ عُرُوضٌ يَقْضُونَ مِنْهَا دُيُونَهُمْ فَهُمْ أَغْنِيَاءٌ لَا يُعْطُونَ حَتَّى يَبْرَءُوا مِنْ الدَّيْنِ ثُمَّ لَا يَبْقَى لَهُمْ مَا يَكُونُونَ بِهِ أَغْنِيَاءً، وَصِنْفٌ دَانُوا فِي صَلَاحِ ذَاتِ بَيْنٍ وَمَعْرُوفٍ وَلَهُمْ عُرُوضٌ تَحْمِلُ حَمَّالَاتهمْ أَوْ عَامَّتَهَا، وَإِنْ بِيعَتْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَفْتَقِرُوا فَيُعْطَى هَؤُلَاءِ وَتُوَفَّرُ عُرُوضُهُمْ كَمَا يُعْطَى أَهْلُ الْحَاجَةِ مِنْ الْغَارِمِينَ حَتَّى يَقْضُوا سَهْمَهُمْ (وَاحْتُجَّ) بِأَنَّ «قَبِيصَةَ بْنَ الْمُخَارِقِ قَالَ: تَحَمَّلْت بِحَمَالَةٍ فَأَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلْته فَقَالَ نُؤَدِّيهَا عَنْك أَوْ نُخْرِجُهَا عَنْك إذَا قَدِمَ نَعَمُ الصَّدَقَةِ يَا قَبِيصَةُ الْمَسْأَلَةُ حَرُمَتْ إلَّا فِي ثَلَاثٍ رَجُلٍ تَحَمَّلَ بِحَمَالَةٍ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا ثُمَّ يُمْسِكَ وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ أَوْ حَاجَةٌ حَتَّى شَهِدَ أَوْ تَكَلَّمَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ أَنَّ بِهِ فَاقَةً أَوْ حَاجَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ ثُمَّ يُمْسِكَ وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَاجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الصَّدَقَةُ حَتَّى يُصِيبَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ ثُمَّ يُمْسِكَ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْمَسْأَلَةِ فَهُوَ سُحْتٌ».

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِهَذَا قُلْت فِي الْغَارِمِينَ وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَحِلُّ لَهُ الْمَسْأَلَةُ فِي الْفَاقَةِ وَالْحَاجَةِ» يَعْنِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لَا الْغَارِمِينَ وَقَوْلُهُ «حَتَّى يُصِيبَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ» يَعْنِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَقَلَّ اسْمِ

<<  <   >  >>